اللوح الأثري مصنوع من الطين ومكتوب عليه بالمسمارية جزء من "ملحمة كلكامش" التي تُعتبر أحد أقدم الأعمال الأدبية للبشرية
بعد سنوات من الشد والجذب باتت عودة "لوح حلم كلكامش" وآلاف القطع الأثرية الأخرى إلى العراق قريبة جدا، بعد أن أعلنت السلطات الأميركية عزمها إرسال اللوح المسماري، وعمره 3500 عاما، إلى موطنه الأصلي.
وبالإضافة لـ"حلم كلكامش" من المؤمل أن يسترد العراق 17 ألف لوح طيني مسماري أثري مهرب من الولايات المتحدة، هي "أكبر مجموعة" أثرية تستردها البلاد، وفقا لوزارة الثقافة العراقية.
وأعلن وزير الثقافة العراقي، حسن ناظم، في بيان أن تلك القطع ستعود إلى العراق بعد ظهر الخميس على "الطائرة نفسها التي تقل رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، من واشنطن إلى بغداد"، بعد زيارة رسمية إلى واشنطن التقى فيها الرئيس الأميركي، جو بايدن.
وأوضح ناظم أن غالبية القطع المستردة من الولايات المتحدة تأتي من جامعة كورنيل الأميركية التي تملك أرشيفا واسعا لألواح مسمارية قديمة.
وأشار بيان الوزير العراقي إلى أن "القطع المستردة تحمل كتابات مسمارية توثق تبادلات تجارية جرت خلال الحضارة السومرية"، مضيفا "آمل في المستقبل القريب العمل الجاد أيضا مع سفاراتنا في العالم، وفي أوروبا تحديدا لنستعيد بقية آثارنا".
وعلى موقع الأرشيف الالكتروني للرُّقم المسمارية التابع لجامعة كورنيل، تظهر ألواح مسمارية تعود لحقب متعددة من حضارات بلاد ما بين النهرين أسهمت في مساعدة الباحثين في الجامعة على التوصل إلى فهم أفضل للحياة اليومية لسكان تلك الحضارات القديمة.
قرار قضائي أميركي
على صعيد ذي صلة أعلنت وزارة العدل الأميركية، الثلاثاء، أن الولايات المتحدة ستعيد للعراق لوحا مسمارياً أثريا عمره 3500 عام بعدما تبين لها أنه "مُلكية ثقافية مسروقة" أُدخلت إلى سوق الفن الأميركية بطريقة احتيالية.
واللوح الأثري مصنوع من الطين ومكتوب عليه بالمسمارية جزء من "ملحمة كلكامش" التي تُعتبر أحد أقدم الأعمال الأدبية للبشرية وتروي مغامرات أحد الملوك الأقوياء لبلاد ما بين النهرين في سعيه إلى الخلود.
وكان تاجر أعمال فنية أميركي اشترى هذه القطعة الأثرية، وتدعى "لوح حلم كلكامش" في 2003 من أسرة أردنية تقيم في لندن وشحنه إلى الولايات المتحدة من دون أن يصرح للجمارك الأميركية عن طبيعة هذه الشحنة. وبعد وصول اللوح إلى الولايات المتحدة باعه التاجر في 2007 لتجار آخرين مقابل 50 ألف دولار وبشهادة منشأ مزورة.
وفي 2014 اشترت هذا اللوح بسعر 1.67 مليون دولار أسرة غرين التي تمتلك سلسلة متاجر "هوبي لوبي" والمعروفة بنشاطها المسيحي وذلك بقصد عرضه في متحف الكتاب المقدس في واشنطن.
لكن في 2017، أعرب أحد أمناء المتحف عن قلقه بشأن مصدر اللوح بعدما تبين له أن المستندات التي أُبرزت خلال عملية شرائه لم تكن مكتملة.
وفي سبتمبر 2019 صادرت الشرطة هذه القطعة الأثرية إلى أن صدق قاض فدرالي يوم الإثنين على مصادرتها.
ونقل بيان لوزارة العدل عن المدعية العامة جاكلين كاسوليس المسؤولة عن هذه القضية قولها إن القرار الصادر الإثنين "يمثل خطوة مهمة نحو عودة هذه التحفة الأدبية العالمية إلى موطنها الأصلي".
وكان القضاء الأميركي أمر في يوليو 2017 شركة هوبي لوبي بأن تعيد إلى العراق آلاف القطع الأثرية التي تعود إلى حقبة بلاد ما بين النهرين والتي جرى تصديرها إلى الولايات المتحدة بشكل غير قانوني، في كنوز أثرية تضم خصوصا ألواحا مسمارية أخرى وأختاما قديمة.
ومنذ 2008 أعادت الولايات المتحدة أكثر من 1200 قطعة إلى العراق الذي تعرضت ممتلكاته الثقافية إلى النهب بعد الإطاحة بنظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
استمرار التهريب والسرقة
وتتعرض الآثار العراقية للتهريب منذ عقود طويلة، وفق ما أوضح مدير آثار وتراث البصرة، قحطان العبيد، لفرانس برس. ويشرح الخبير أنه "ليس ممكنا إحصاء عدد القطع الأثرية التي سرقت من المواقع الأثرية مباشرة، لأنها غير مرقمة"، وأيضا غير معروفة أو غير مكتشفة بعد، بالأخص في المناطق التي شهدت نزاعات مسلحة.
ويوضح أن "عمليات السرقة تلك بعضها مقصود ويأتي في إطار الجريمة المنظمة"، فيما أخرى "تكون غير مقصودة، لا سيما في المناطق النائية حيث يلجأ السكان المحليين إلى البحث عن الأحجار الكريمة وبيع قطع أثرية بهدف تأمين المعيشة اليومية ولا يعرفون مدى قيمتها وأهميتها".
وتعرضت المواقع الأثرية في عموم العراق إلى تدمير وسرقة وإهمال كبير، خلال الحروب التي مرت بالبلاد خلال السنوات الماضية، خصوصا في المرحلة التي أعقبت غزو التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لإسقاط نظام صدام حسين.
وسرقت من متحف بغداد وحده نحو 15 ألف قطعة أثرية، و32 ألف قطعة من 12 ألف موقع أثري بعد عام 2003.
وبالنسبة للقطع التي سرقت من المتاحف، "فهي موثقة، وتمت استعادة البعض منها التي كانت تعرض في الأسواق العالمية"، وفق العبيد، من خلال هيئة الآثار والتراث العراقية.
ودمر تنظيم داعش الذي سيطر على ثلث مساحة البلاد في يونيو 2014، الكثير من المواقع الأثرية غالبيتها في شمال العراق. ويقول خبراء الآثار أن الجهاديين دمروا قطع الآثار الكبيرة وسرقوا القطع الصغيرة للاتجار بها.