الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
لقاء مع فاضل العزاوي
الخميس 11-11-2021
 
فاطمة المحسن

عدَّ فاضل العزاوي بين شعراء العراق الأكثر تميزاً، فقد استكمل دورة تجاربه التي بدأها منتصف الستينيات، لتتحول بمرور الوقت منهجاً لا يشاطره في نوعه التجديدي إلا القليل من الشعراء ..

والعزاوي شاعر إشكالي على مستوى التجريب وديناميكية المواقف وراديكاليتها الفنية، فهو أول من توجه بالنقد إلى السياب وصحبه بسبب مناخ قصيدتهم العاطفي المتشكي حسبما وصفه، كما أنّ بيانه الشعري الذي ذاع صيته في العراق، ووقعه شعراء من البعث لا يمتون لتجريبه بصلة، وخلّف معارك وانطباعات متناقضة، وهو إلى اليوم على طاولة المتقاسمين تركة الحداثة الستينية.

لعله  بين من تبقىّ من الجيل الستيني تستضيفه الكثير من المنتديات الشعرية، وفي لقاءات الشعر البريطاني ومهرجاناته في قراءات منوعة، حيث تلاقي قصيدته الإعجاب، لما تحويه من بساطة المفردة ووضوح معناها وقوة ونباهة الفكرة التي تكمن خلفها..

بعد عودته من مهرجان شعري في أدنبره، كان لنا لقاء معه تحدث فيه عن أعماله الشعرية والنثرية وجدل الثقافة اليومية في العراق والبلدان العربية.:

س : ما الذي بقيَ من العزاوي الستيني: اندفاعة الشعر، تنظيرات البيانات الثورية، الموقف الأدبي والسياسي؟.

• ج : الذي بقي هو الارتباط بالكتابة الجديدة، البقاء عند موقع من يحاول كسر التقاليد الأدبية، مع إضافات نتجت عن التماس المباشر بالثقافة الاوربية، كان نفسي قصيراً في الستينيات، وأنا الآن أعمل بصبر وأناة. .

س : هذا يعني أنت لست بنادم على موقف  أوطقس كتابي، أي أنك مازلت عند ثوابتك؟. :

• ج : لم أتغير كثيراً لأنني بدأت مشروعي منذ الصغر وأنا على مقربة من الثقافة الطليعية، فأنا لم أتدّرج مثل بقية الشعراء من الشعر الكلاسيكي ثم الرومانسي ثم الحديث، بل كتبت فقط على النمط الجديد منذ البداية. بحكم وجودي في مدينة مثل كركوك منوعّة الأعراق والثقافات إضافة إلى كونها مدينة أشاعت فيها شركة النفط البريطانية الثقافة الانكليزية، كان يسهل علي التأثر بالشعر الجديد والثقافة الانكليزية. تلك السنوات أتاحت لي اللقاء بالشباب الماركسي، وكانوا عنصر جذب في الثقافة العراقية، كذلك عرفت الوجودية وغيرها من الأفكار الجديدة فكنت مسحوراً بسارتر وكامو ودي بوفوار، وحتى جورج أرويل الذي كتب رواياته ضد الشيوعية كنت معجباً به. شكّلتْ تلك سنوات ثقافتي التي بقيت أساساتها الى اليوم قابلة للتجديد، هناك استمرارية لمسيرة أدبية سياسية بدأت بكركوك ولم تنته إلى اليوم..

• س: إذن أنت مثل الأحزاب الثورية التي يبرهن التاريخ على صحة اعتقادتها..! قل لي هل أنت نادم على تحالفك مع سامي مهدي وحميد سعيد وخالد علي مصطفى مثلا، لتوقيعهم على البيان الشعري الذي كتبته وإصدارك مجلة معهم؟.

ضحك العزاوي وأجاب

• لا، لأن سامي مهدي وخالد علي مصطفى عندما وقعا على البيان الشعري الستيني ما كانا في حزب البعث، بل كان سامي من أكثر الناس انتقادا للبعث بعد سقوطه، ولم يرجع إليه إلاّ في العام 1970. أما خالد علي مصطفى، فقد كان مثقفا جيداً ومنفتحاً على الآخرين واتخذ مواقف جيدة للتضامن معنا نحن غير البعثيين، بحيث اصطدم مع حزب البعث في 1974 وأبعد عن مجلة «الف باء».

o س : إذن تحالفك معهم كان أدبياً وليس سياسياً ؟

ج : لم يكن تحالفي معهم سياسياً، كنا نريد إصدار مجلة شعرية وكنت أتفق معهم على صيغتها. لم يمض على انقلاب حزب البعث واستلامه السلطة سوى ستة أشهر، أي ان تلك الفترة لم تكن محسومة سياسياً، أي اننا كنا مثل الفترة التي تسبقها نمارس حريتنا من الأحزاب..

• س:  لماذا اخترتهم بين الشعراء الستينيين، ولم تختر غيرهم؟

• لأن لديّ معهم اهتمامات مشتركة، وخاصة في الموقف من التراث وإعادة كتابته. الصراع كان قائماً حول الاتجاه الثقافي وكان يهمني أن أقدم رؤية منفتحة بالثقافة ..

• س : افتتاحية العدد الثاني لمجلة «شعر 69» وهو العدد الوحيد الذي بحوزتي، تبدو أقرب إلى البيان البعثي الرسمي، فهي تتحدث عن الثورة العربية ودور الشعر لخدمتها، فماذا كانت تعني لك سابقا والآن؟

• ج : الافتتاحية جاءت إلينا من المؤسسة العامة للصحافة، ونحن عدّلنا فيها، وهي لا تختلف عن لغتنا وما نطمح إليه، فأنا كنت ولا أزال مؤمناً بثورة عربية حقيقة تعيد الإنسان إلى عصره. كل ما في الأمر ان هذه الافتتاحية جاءت للرد على الهجوم الشيوعي والبعثي الذي تعرض أليه بياننا الشعري ...

• س : أين موقع فوزي كريم ضمن هذه الحالة؟.

جواب :  كان صديقاً لسامي مهدي وهو الذي جلبه إلينا.

• س : وحميد سعيد؟

• ج : لم يوقع على البيان ولكنه جاء بعد العدد الرابع وعُيّن رئيساً للتحرير، وهَددت بالخروج من المجلة، ولكن مجلس قيادة الثورة قرر إغلاقها قبل أنْ يتمكن حميد سعيد من أنْ يصبح رئيساً للتحرير.

• س: انت لم تتحدث عن التفصيلات التي تشكّل الحياة المتحركة، تجربتك ما الذي كسبت منها؟

• ج : تعلمت  الكثير من علاقاتي مع الناس، علاقات السياسية والحب والصداقات، تجربتي مع الحزب الشيوعي علمتني الكثير، تخلصت من وهم اليوتيبيا عندما مررت بتجربة السجن والتقيت قادة الحزب واكتشفت عيوبهم كبشر من لحم ودم. أنا في الأصل لم أكتب قصائد هتاف أو شعر سياسي، ولكن التجربة جعلتني أختلط بالناس وأغترف من عوالمهم التي شكّلت لي مادة روائية وشعرية.

• س : لعلك من بين الشعراء الذين كتبوا الرواية في وقت مبكر، هل اختيارك الشعر بسبب هيمنة الثقافة الشعرية على عالم الأدب في العراق؟

• س : أحسب نفسي شاعراً قبل أيّ شيء آخر، صحيح أن قراءاتي في الرواية بدأت منذ وقت مبكر، ولكني كتبت الشعر أولاً. أول محاولة في القصة كانت في 1959 ونشرتها في كركوك بقيت أكتب الشعر فترة الجامعة وفي السجن كتبت مذكراتي وفقدتها..

منتصف الستينات تطور عندي مفهوم القصيدة الذي أوصلني إلى النص المفتوح حيث يتداخل الشعر بالنثر. تعمدت نشر أول نص لي من هذا

الجنس في «مخلوقات فاضل العزاوي الجميلة» قبل نشر ديواني الأول.. علي بعد ان دخلت السجن ان اكتب نصا يعبّر عن الحالة السياسية العراقية، أردت توثيق العنف والتعذيب وانتهاك الإنسان، فوجدت في القصة ما يساعدني أكثر من الشعر...

• س : إذن كانت الرواية معبرك إلى القول السياسي، وليس من أجل إرضاء جانب جمالي أو أدبي تحتاج  استكماله؟.

• اس : القصة ليست أسهل من الشعر، ولكني كتبت في السجن ما بين أربع إلى خمس قصص قصيرة. رواية «القلعة الخامسة» كتبتها خلال شهر أو أكثر بسهولة كبيرة بدأت بها لأن مادتها لدي وتدور حول تجربة السجن، وتدور حول إشكالية البطولة وبؤس الجلاد. أردت طرح موضوع يخص دائرة العنف في العراق التي تتحقق بأشكال مختلفة، وحاولت تناول الشخصيات من زوايا مختلفة أيضا...

o س : هناك تحوّل في قصيدتك بدأ يتضح في التسعينيات، ولعل أفضل مظاهره الإفادة من الحكاية المتداولة أو الأسطورة أو المروية. تحاول إعادة كتابة سيناريو الحكاية داخل الاسطورة، أو تعيد ترتيبها ليتحول أنا السارد فيها الى بطل، ولكن موقعه هنا يعبّر عن روح السخرية أو الدعابة أو نقض تلك الحكاية أو تفكيكها. كيف تفكر بمشروعك هذا؟

o .

• ج :  هذا المشروع منذ منتصف الثمانينات، فأصبحت أكثر إيمانا بالقصيدة المركزّة، لكن أيضا من أجل فتح نافذة على التاريخ البشري، إعادة كتابة أساطيرنا الشرقية والعالمية وإضفاء طابع عصري عليها. كشاعر احاول أن أعيش في زمني ولكن احاول أن أكون على تماس مع الازمنة الاخرى، عندما أتناول حكاية متداولة أو رمزا دينيا أو شخصية في إسطورة، أحاول إخراجه من معناه، بقلبه رأساً على عقب. بدأت أميل إلى القصيدة التي تتضمن نوعاً من الحكاية وتكون اللغة ملموسة ودقيقة فضلا علن الجانب الروحي الذي أضيفه أو اكتشفه في الحكاية...

بدأ لدي هذا الاهتمام كاحتجاج على قصيدة الأنا الشخصية وشعر الشكوى، ومع انني كتبتُ في هذا النوع من الشعر، غير انه لا يشكّل سوى جانب صغير ومحدود في العالم الشعري..

• س : تقول في واحدة من مقالاتك: لا يكون الشاعر حديثاً ما لم يكتشف الأفق الكامل للحداثة، ويعكس عاطفتها الجديدة. وأنت تقصد بهذا  المعنى  ان الشاعر الحقيقي هو مناضل ثوري من أجل القضايا الكبرى في عصرنا "  . أتعتقد ان زمن هذا الحديث قد انتهى «الشاعر مناضل من أجل القضايا الكبرى» ألم يحن الوقت كي يتواضع الشاعر؟.

• ج : السؤال  هو لماذا أكتب. قبل أيام قرأت كتابا لجورج أرويل بهذا العنوان، إذا عُدتِ لسارتر لأدركت سؤاله: لماذا الأدب؟ كل كاتب كبير أو شاعرٍ حاول بهذا القدر أو ذاك الإسهام في إغناء تراثنا الروحي والفكري. شكسبير تحدث عن القضايا الكبرى، الغيرة ، الحب، البطولة، الخيانة، وكل قضايا الإنسان. تعلّمت البشرية من شكسبير الكثير. خذي المتنبي لديه اهتمامات مرتبطة بقيم مجتمعه، ليس خطأ أن يرتبط الكاتب بقضايا عصره، بل بالعكس لا يمكن للكاتب العيش خارج عصره، بل عليه أنْ يعكس الروح الأكثر حدةٍ لمشكلات المرحلة. هل بمقدوري اليوم الحديث عن الزهور في وقت يتعرض فيه العراق الى أزمة وطن وحروب ودمار. لا أقول ينبغي للشاعر أنْ يكون مُعْلّقاً سياسياً على الأحداث، بل عليه عكس  المواقف الأكثر جدّة وفتوة والمتعلقة بالأمل بالحياة. الكتابة مسؤولية ينبغي إدراكها، وأنا لا أكتب لنفسي. .

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
منظمة حقوقية تتهم العراق بتنفيذ إعدامات "غير قانونية" بناء على "محاكمات جائرة"
هجوم "الطوز" يكشف وجود تمويل ومصانع عبوات لـ"داعش"
"قضية بقاء للعراق".. الأمم المتحدة تؤشر لأهمية المناخ بحياة العراقيين
بينهم أجنبية.. الإعدام لـ3 من "تجار المخدرات" في العراق
‎ بابا الفاتيكان يدعو للتحقيق مع إسرائيل .. بتهمة "الإبادة الجماعية"
الخوفُ من صعودِ السودانيِّ.. أزمات تُلاحق رئيس الوزراءِ من "التسريباتِ" إلى "قانونِ الانتخاباتِ"
"حدباء الموصل" .. تنفض غبار دمار داعش
خمسة أحداث مهمة في الأسبوع الأول لترامب كرئيس منتخب
صوت بغداد" يصدح في "كولبنكيان".. خليط من الشعر والموسيقى والرسم
العنف الأسري في العراق... "ارتفاع في المعدلات" وسط غياب القانون الخاص بمناهضته
ماذا تكشف تعيينات ترامب عن خططه تجاه الشرق الأوسط؟
وجّه بشأنها السوداني.. لماذا مباراة العراق والأردن "مهمة"؟
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة