استعرضت صحيفة "الغارديان" البريطانية، قصة ليست شائعة حول نشوء المنتخب العراقي الأول لكرة القدم، قبل نحو 70 سنة، وكيف ساهم أبناء ضابط سابق في الجيش البريطاني، وكاهن أرثوذكسي في تشكله في وقتها.
وذكرت الصحيفة البريطانية، في تقريرها الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، أنها اكتشفت بالصدفة وجود لاعب اسمه سعيد عيشو، في العام 2001، وكانت تلك البداية لاكتشاف قصة المنتخب العراقي الأول، مضيفة أنها تواصلت مع اللاعب لاحقا، وهو أمضى الجزء الاكبر من 60 عاما في العيش خارج العراق، ولهذا لم يكن احد يعلم ما حدث مع لاعب منتصف خط الوسط في صفوف المنتخب الاول للعراق.
ولادة الأسُود
وتضمن تقرير الصحيفة البريطانية، معلومات من كتاب بالانكليزية مؤلف من 340 صفحة، يحمل عنوان "ولادة أسود بلاد النهرين"، لمؤلفه حسنين مبارك.
وأضافت الصحيفة في تقريرها: "هكذا بدأ كل شيء: كانوا أبناء ضابط سابق في الجيش البريطاني وكاهن ارثوذكسي وجندي اشوري هم من بدأوا كل ذلك"، موضحة ان "المنتخب العراقي تم تشكيله "مثل دولة العراق الحديثة، والتي تشكلت من الولايات العثمانية القديمة في بغداد والبصرة والموصل"، حيث كان هناك من بغداد اللاعب بيرسي لينسدال، واللاعب البصراوي سعيد عيشو، واللاعب ارام كرم المولود في الموصل.
وتناولت الصحيفة قصص اللاعبين الثلاثة، وقالت إن "سعيد عيشو هو ابن كاهن ارثوذكسي تقاعد عن عمر يناهز 23 عاما لمتابعة تحصيله العلمي من اجل العمل في اختصاص الهندسة، مشيرة الى انه بعد اربعة اشهر فقط من ارتدائه لقميص المنتخب العراقي، غادر الى بريطانيا للالتحاق بكلية لوبورو، وذلك في سبتمبر/ايلول العام 1951.
احتراف في انجلترا
وكانت ادارة نادي "شيفيلد يونايتد" تبحث عن لاعبين جدد، وتبلغت الادارة بوجود لاعب المنتخب العراقي سعيد عيشو في الكلية الجامعية البريطانية، وخلال عطلة عيد الميلاد، تلقى برقية من نادي كرة القدم الذي عرض عليه الخضوع لاختبار رياضي، ولهذا ذهب مع زميله العراقي وسافرا الى منطقة برامال لين على بعد حوالى 80 كيلومترا، فيما كان فريق "شيفيلد يونايتد" على موعد لمواجهة فريق "نادي بارنسلي" في بطولة دوري يوركشاير لكرة القدم.
واشارت الصحيفة الى ان سعيد عيشو، طالب الهندسة الكهربائية العراقي البالغ من العمر 23 عاما وقتها، لعب لمدة 90 دقيقة وفاز فريقه 5-4، وتواصلت ادارة النادي معه بعد المباراة وسألته عما اذا كان يرغب بالانضمام الى الفريق.
وكان هذا يعني ان سعيد عيشو سيضطر الى التخلي عن كليته الجامعية والمجازفة بخوض مسيرة كروية احترافية، ولهذا فقد رفض العرض برغم ان النادي عرض عليه راتبا جيدا مقارنة بما كان يكسبه اللاعبون خلال تلك الفترة واكثر مما كان سيحصل عليه في مسيرته الكروية في العراق. لكن ذلك، لم يكن ذلك كافيا لجعله يغير رايه.
لاعب إنجليزي
اما اللاعب الموهوب بيرسي لينسدال فقد كان واحدا من قلة من لاعبي كرة القدم البريطانيين في ذلك الوقت الذين كانوا يلعبون مع اندية كروية عراقية في البصرة مثل "الميناء" وفريق "بي بي سي".
وكان بيرسي من مواليد العراق، وهو ابن لاب عراقي الجنسية من اصل انكليزي وام عراقية، ولهذا فقد كان مؤهلا للعب في العراق.
ولفتت الصحيفة إلى أن مسؤولي وزارة التربية والتعليم في بغداد لم ينسوا بيرسي عندما كان قائدا لفريق كلية بغداد في سنته الجامعية الاخيرة. وهو كان درس في كلية اليسوعيين في بغداد على الضفة الشرقية لنهر دجلة ، وكان بيرسي من اوائل الاسماء في الفريق الكروي للكلية، وكان احد الفتية الذين كانوا يمضون فترة بعد الظهر في اللعب بالكرة على ارض المدرسة، ويستخدمون ستراتهم الملقاة على الارض كأنها اعمدة لمرمى الاهداف، والتي تم استبدالها فيما بعد بالكراسي.
واشارت الصحيفة الى ان تدخل احد اساتذة الفيزياء، الذي كان قلقا من ان يبدا التلاميذ في اخراج الكراسي من الفصول الدراسية لاستخدامها كأعمدة المرمى، دفع المسؤولين في الجامعة الى بناء قواعد ثابتة للمرمى في الملعب المخصص لكرة القدم.
وتابعت ان بيرسي كان في سنته الاخيرة هداف الفريق واللاعب الرئيسي في الهجوم في الجانب الايسر، وكان واحدا من ستة لاعبين في ذلك العام تم تكريمهم في قاعة الشهرة بالكلية.
وعندما كان في عمر 23 سنة، كان بيرسي يلعب بانتظام مع فريق "بي بي سي" وفريق نادي البصرة، وجرى استدعاءه ليلعب لصالح المنتخب العراقي حيث شارك في كل واحدة من مباريات العراق الاربع خلال العام 1951. واضافت الصحيفة انه بعد اللعب لموسم كامل مع نادي الميناء، قرر بيرسي، على غرار زميله سعيد عيشو، اعتزال كرة القدم والعودة الى ارض اجداده لمتابعة دراسته حيث جاء الى انكلترا في العام 1952 وبعد ان ترك الكلية استقر في مدينة مانشستر وراح يعمل لحسابه الخاص كتاجر، الى ان توفي في العام 1997.
موهبة عراقية
اما اللاعب الثالث فهو ارام كرم المقيم في الحبانية، ووصفته الصحيفة البريطانية بانه كان لاعب كرة قدم استثنائيا اشتهر بقدرته الهائلة على التسجيل من اي زاوية او مسافة باي من قدميه. وتابعت ان ارام كرم "كان لاعبا ومدربا وقائد فريق وهدافا نادرا في اي مكان في العالم".
وتابعت الصحيفة ان ارام كان من اصل اشوري، ونشا اسلافه في زانجلان في قرية قطونة، فيما كان يعرف قديما بالامبراطورية الفارسية (والتي تقع حاليا في محافظة اذربيجان الغربية في ايران)، لكن عائلة والده اضطرت الى الفرار من منزلها بحثا عن ملاذ امن تحت حماية الجيش البريطاني المتمركز في همدان بعد انسحاب القوات الروسية ودخول الجيش العثماني المنطقة حيث قتل الالاف من الاشوريين والارمن.
وارام ابن لجندي اشوري، ترعرع في محطة تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني، وشكل فريق كرة القدم الخاص به في قاعدة الحبانية التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني.
ووصفت الصحيفة ارام بانه كان لاعبا موهوبا ولديه الرؤية والقدرة على التحكم باي مباراة. واشارت الى انه عندما جرى استدعاءه من جانب الاتحاد العراقي لكرة القدم، كان قد اكتسب شهرة باعتباره هدافا بارزا في الحبانية، وكانت فرق الاندية تسافر الى قاعدة سلاح الجو الملكي البريطاني لاستقطاب هذا اللاعب ليلعب كضيف في صفوفها، وكأنك تستأجر بندقية.
وذكرت الصحيفة ان "كثيرين اعتبروا ان ارام كرم يلعب كواحد من افضل اللاعبين واكثرهم انجازا في الخمسينيات من القرن الماضي"، مضيفة انه خلال "جولة فريق العراق في تركيا في العام 1951، سجل اربعة اهداف في المباراة الدولية الثانية للفريق ضد فريق من انقرة.
وختمت الصحيفة تقريرها بالقول إن "حكاية المنتخب العراقي الاول ولاعبيه اصبحت الان ذكرى بعيدة، وانه مع مرور الثورات والحروب والعقوبات، نسيت الاجيال اللاحقة في كرة القدم العراقية انتصاراتها وهزائمها وحتى اسماءها، وهذا لا يبدو شيئا صحيحا".