الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
إبراهيم ومجتبى.. جرح قمع "احتجاجات تشرين" في العراق لم يندمل
الأربعاء 02-10-2024
 
ميادة داود الحرة

خلال محاولته توثيق قمع القوات الأمنية في العراق للمتظاهرين، أصيب إبراهيم معاد، ابن الـ18 ربيعا،ً برصاصة قناص هشمت جزءاً من جمجمته، واقتلعت إحدى عينية، تاركة إياه مع سؤال معلق دون إجابة: "لماذا دمرتم حياتي؟".

شارك إبراهيم معاد مع أقرانه في المظاهرات التي كانت تطالب بإسقاط الحكومة، بعد فشلها في توفير الخدمات وعدم قدرتها على مكافحة الفساد المالي والإداري، الذي استشرى في مفاصل الدولة، كما يقول لموقع الحرة.

إبراهيم معاد أصيب خلال قمع "احتجاجات تشرين".

واليوم، يعيش  إبراهيم فاقداً لحاستي الشم والتذوق، في يحن زرعت ست شرائح من البلاتين تثبت له جمجمته وتتسبب له بآلام مبرحة خلال فصل الشتاء. ومع إجرائه لأكثر من 10 عمليات جراحية أغلبها كبرى، إلا أن طريقه للشفاء لايزال طويلاً.

وتمر الذكرى الخامسة لاحتجاجات تشرين التي انطلقت في الأول من أكتوبر 2019 وتمركزت في العاصمة بغداد وعدد كبير من محافظات الوسط والجنوب، وشارك فيها مئات الآلاف رافعين شعار المطالبة بإزاحة الطبقة السياسية الحاكمة ومحاسبة الفاسدين.

قوبلت الاحتجاجات بقمع غير مسبوق من قبل القوات الأمنية ومسلحين يُعتقد على نطاق واسع أنهم ينتمون إلى مليشيات مسلحة تابعة لإيران. وقتل من جراء ذلك المئات وأصيب الآلاف، مئات منهم حتى اليوم يعانون من إعاقات دائمة أثرت على حياتهم وحولتهم كما يقول إبراهيم إلى: ذوو احتياجات خاصة ".

من أجل الوطن

التحق  إبراهيم بالاحتجاجات منذ يومها الأول، وتطوع لصد هجمات الغاز المسيل للدموع عبر التقاط العبوات ووضعها في دلو، وإلقاءها بعيداً عن المتظاهرين. وكان جزء من الاعتصام المفتوح على أعتاب جسر السنك الذي شهد معارك كر وفر بين المتظاهرين والقوات الأمنية ومسلحين ملثمين.

أصيب  إبراهيم في 26 أكتوبر 2019، ويشير في حديثه إلى موقع "الحرة" أنه سمع :" ضجة كبيرة تأتي من جهة جسر الأحرار ورأيت شاباً يلقي بنفسه في نهر دجلة. فتوجهت إلى شارع الرشيد لمعرفة ما يجري ". وفي الطريق إلى المكان "رأيت المحتجين يهربون وهم مذعورون بعد إطلاق نار شديد فسحبت هاتفي لتوثيق الحدث".

إبراهيم كمئات الشباب تعرضوا لإصابات بالغة.

في تلك الأثناء، كما يقول  إبراهيم: "كل شيء أصبح لونه أسود ولم أعرف ما حصل، وبين الوعي وفقدانه سمعت شخصاً يقول لي تشاهد يا بطل الملتقى عند الحسين، ثم شعرت بأيدي تسحب جسدي وبعدها فقدت وعيي، ولم استعده إلا وأنا على طاولة الطب العدلي".

الدخان القاتل

بالقرب من نصب الحرية، كان مجتبى أحمد سليم يتمركز مع رفاقه في خيمة لتقديم الخدمات الطبية وإسعاف المصابين من آثار قنابل الغاز المسيل للدموع، كما يقول لموقع الحرة.

مجتبى أحمد سليم كان يعمل على إسعاف المصابين خلال التظاهرات.

ويبين :"في أحد أيام التظاهرات الدامية كانت القوات الأمنية تطلق الغاز المسيل على المتظاهرين، وبينما كنت أساعد أحد المصابين على جسر الجمهورية، شعرت بما يشبه الصعقة الكهربائية القوية ألقت بي على الأرض، وبدأ الدخان يتكاثف من حولي والدماء تنزف بغزارة من فخذي، ولم أعرف ما الذي يحصل بالضبط".

فوجئ مجتبى بأن الغاز الذي أحاط به كان مصدره الإصابة نفسها، وأن القنبلة الدخانية اخترقت ساقه، ثم بدأت بإطلاق سمومها في جسده ليصاب بالاختناق قبل أن يفقد الوعي، ويصحو على صوت سائق "عربة التكتك" الذي ضمد جرحه وربط ساقه للتقليل من النزيف.

قتل المئات في العراق بتظاهرات تشرين 2019. أرشيفية

4 أعوام على تظاهرات أكتوبر.. ماذا حقق العراقيون؟

لا ينظر أغلب العراقيين إلى ماجرى في البلاد في الأول من أكتوبر عام 2019 نظرة محايدة، إذ ينقسمون، وليس بالتساوي، بين استذكار التظاهرات الأكبر والأطول في تاريخ البلاد باعتزاز وألم في نفس الوقت، وبين من يحمل المتظاهرين مسؤولية "الخراب" كما يقول.

أجريت لمجتبى الإسعافات الأولية اللازمة، وجرى خياطة الجرح والاستعداد لنقله إلى مستشفى متخصص، فقد تبين أن الإصابة قطعت الأعصاب :"في تلك الأثناء، دخلت قوات مكافحة الشغب لاعتقال بعض المتظاهرين، فتم تهريبي من الباب الخلفي ونقلت إلى مستشفى أخرى مع عدد كبير من الجرحى متكدسين في سيارة إسعاف واحدة".

ضحايا مجهولون

بينما كان جسد إبراهيم يرقد في الطب العدلي، كان أحد المتظاهرين رفقة منتسب أمني يبحثان عن منزل عائلته لتبليغهم باستلام جثة ولدهم، :"لم تكن عائلتي على علم بأنني من ضمن المتظاهرين، فقد كنت طالباً في إعدادية للمتميزين، وعلى وشك التخرج وتحقيق حلمي في الدخول إلى الكلية العسكرية رغبة مني أن أكون ضابط طيار في الجيش".  

ولهذا السبب :"أنكرت والدتي الخبر ورفضت تصديق العنصر الأمني، الذي سلمها بطاقة هويتي فعرفت أن الخبر إلى حد كبير صحيح". أبلغت الأم المكلومة العائلة، وتوجهت على الفور إلى الطب العدلي حاملين معهم "نعشاً وعلماً عراقياً".

أخرج الطبيب الجثة من ثلاجة الطب العدلي :"بدأ يفحص الجثة لكتابة تقرير حول الإصابات وما أن قلب جسدي حتى بصقت دماً وبدأت أسعل". اللحظة الفارقة في حياة العائلة "كانت حين لم تتحمل والدتي كل هذا الضغط، فأصيب بجلطة، ومنذ ذلك اليوم وصحتها في تراجع".

الإصابات التي تعرض لها "الشباب الثائر في تشرين" لم تؤثر عليهم فقط، فوفقاً لرواية مجتبى أحمد سليم  :"تتضمن ضحايا لا يسلط عليهم الضوء كأفراد العائلة جميعهم، وبشكل خاص الأمهات".  

عكس إبراهيم، كانت عائلة  مجتبى تعرف بتوجهات الابن وكانوا يخشون عليه من مغبة الالتحاق بالاحتجاجات :"كنت قد أتممت العشرين من عمري، وحصلت على قبول في جامعة تركية لدراسة  التخدير الطبي، ولم تكن عائلتي ترغب بانشغالي بأي أمر آخر".

مجتبى أصيب في ساقه.

حين وصل خبر إصابته إلى عائلته :"فزعت والدتي وأصيبت بعد فترة وجيزة بالسكري، وهي لا ترتدي منذ ذلك اليوم إلا اللون الأسود. بعنا جزء من منزلنا لتمويل ستة عمليات جراحية ليس للشفاء إنما لإيقاف التدهور فحسب".

عشر عمليات جراحية أغلبها كبرى أجراها إبراهيم، ولم يتمكن حتى الآن من إعادة ترميم وجهه :"اضطررنا إلى بيع منزل العائلة الذي كان في واحدة من أرقى مناطق العاصمة، ومع ذلك ما زلت بحاجة إلى عمليات أخرى خارج البلد، لعدم توفر الإمكانات الطبية في الداخل".

يعدد إبراهيم العمليات المتبقية :"ترقيع وتصحيح الأنف وترميم محجر العين وزراعة عين بلاستيكية". كل هذه الإجراءات كما يشير "ترفض الجهات المختصة شمولي بالعلاج خارج العراق، فهي تقول أنها جميعها بلا نتيجة".

إذلال وتنمر  

أعلنت الحكومة العراقية خلال فترة حكم رئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي، عن منح رواتب وتعويضات لضحايا "احتجاجات تشرين". استلم إبراهيم أول دفعة قبل شهرين فقط :"بعد عامين من الإذلال في أروقة المؤسسات الحكومية". جزء من هذا الإذلال :"يتعلق بالإجراءات الروتينية الكثيرة، وعدم الاهتمام بمدى قدراتنا الجسدية على تحمل المشقة".

ناهيك عن :"العداء الواضح لمتظاهري تشرين من قبل بعض الجهات الحكومية، وصلت إلى حد إطلاق البعض اسم الأعور الدجال على حالتي".

مظاهرات تشرين رفعت شعارات الدولة المدنية

مظاهرات تشرين رفعت شعارات الدولة المدنية

بالمقابل، ورغم الفترة الزمنية الطويلة التي يتابع بها  مجتبى الإجراءات الرسمية، فإنه لم يصل إلى نتيجة حتى الآن. ويتفق مع إبراهيم في أن هناك :"إهمال حكومي وإذلال لضحايا الاحتجاجات، بدعوى أنتم ضد الحكومة وتريدون أخذ رواتب من الحكومة". هذا الأمر لا يتعلق به وحده فهو يشير لـ"مئات الحالات التي لم تتمكن من الحصول على الراتب الذي تم الإعلان عنه".

ويتراوح تعامل المجتمع بين "التنمر" أو "نظرات الشفقة" وكلاهما بالنسبة لمن أصيب إصابات بالغة خلال "احتجاجات تشرين" "يحمل طعماً مراً في فم أي شاب كان يوماً يحلم بحياة أفضل".

ويبين مجتبى أن أغلب المتظاهرين الشباب تغيرت حياتهم وأحلامهم :"أصبحنا غير قادرين على العمل والاعتماد على أنفسنا، وحتى خططنا للمستقبل أصبحت غير واضحة، بعد أن تحولت من شاب طبيعي إلى شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة".

ومع كل الألم الذي يعيشه إبراهيم ومجتبى إلا أنهما سيشاركان في إحياء الذكرى الخامسة لاحتجاجات تشرين، وسيقفان معاً تحت نصب الحرية. فالاحتجاج كما يقول مجتبى :" الطريق الوحيد للتغيير، و لأنه من حقي التعبير عن رأيي ورفض القمع وتكميم الأفواه وهي سياسة مستمرة حتى الآن".

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
"خيارات" لحسم مشكلة الحدود البحرية بين العراق والكويت
بعد مقتل جنود إسرائيليين بطائرات مسيّرة من العراق، إسرائيل تمهد لتوجيه ضربة للعراق
مقتل جنديين إسرائيليين وإصابة 23 بطائرة مسيرة من العراق
"ثورة تشرين" في العراق.. قصة الخيمة رقم 207
شاركت فيها 3 دول.. عملية سرية تحرر إيزيدية من الأسر في غزة
العراق يتذكر احتجاجات تشرين.. حكايات نساء واجهن الرصاص
تعزية من الاتحاد الديمقراطي العراقي في الولايات المتحدة الأميركية
إبراهيم ومجتبى.. جرح قمع "احتجاجات تشرين" في العراق لم يندمل
الجيش الإسرائيلي يعلن ارتفاع عدد قتلاه في لبنان
تعزية من الاتحاد الديمقراطي العراقي في الولايات المتحدة الأميركية
5 سنوات على احتجاجات تشرين ولا حساب لقتلة المتظاهرين.. ماذا حققت الثورة؟
السوداني ينتظر تحديد المقصرين بـ"هجوم مطار بغداد" خلال 48 ساعة
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة