الأحزاب الكردية المناهضة لإيران في العراق أمام خيارين: البقاء بلا سلاح أو المغادرة
رسالة من "ترامب" وتطمين عراقي، وصلا إلى طهران عبر مسؤولين عراقيين. فعلى طهران أن تتوقف عن دعم الفصائل، وبالمقابل تلتزم بغداد بإبعاد المعارضة الكردية الإيرانية عن الحدود.
وتسير بغداد على خط رفيع في "سياسة التوازن"، بحسب مستشارين، منذ اندلاع الحرب في لبنان وغزة. كما بدأت الحكومة خطوات استباقية لتطويق أي تصعيد متوقع من دونالد ترامب العائد إلى البيت الأبيض.
وقال محمد السوداني، رئيس الحكومة، أثناء قمة الرياض الأخيرة، إن حكومته "ملتزمة بالتهدئة" إزاء الحرب في المنطقة. وشارك السوداني في أعمال القمة العربية الإسلامية في العاصمة السعودية، لإعادة طرح "حل الدولتين" للأزمة الفلسطينية.
وعلى الرغم من أن العراق تحفظ على هذه الفقرة (حل الدولتين) التزاماً بالقانون العراقي، إلا أنه يطمح أن يكون له دور أوسع في المنطقة. ويقول باسم العوادي، المتحدث باسم الحكومة، إن قمة الرياض هي "فكرة عراقية" سابقة. واعتبر العوادي في تصريحات صحفية، أن "العراق ليس مجرد مشارك في قمة السعودية، بل هو صانع ومساهم فيها".
وكان السوداني، الذي عاد مساء الاثنين إلى بغداد بعد مشاركته في اجتماع الرياض، قد أجرى الجمعة الماضية اتصالاً مع ترامب، وهنّأ السوداني الرئيس الأميركي على "الثقة الكبيرة التي منحها إياها الشعب الأميركي"، بحسب بيان حكومي. وأكد رئيس الحكومة على "إنهاء الحرب" و"المضي بالشراكة الستراتيجية بين البلدين"، وفق البيان السابق.
واعتبر مراقبون خطوات رئيس الحكومة بأنها طوت صفحة مذكرة الاعتقال الصادرة من العراق ضد ترامب قبل 3 سنوات. وتعتقد بغداد أن مخاطر توسع رقعة الصراع في المنطقة ما زالت كبيرة بسبب استمرار الحرب على قطاع غزة ولبنان. وبحسب تصريحات لوزير الخارجية فؤاد حسين، فإن "بغداد تأخذ أي تهديد للوضع العراقي بجدية من أي طرف كان"، في إشارة إلى إيران وإسرائيل.
وأضاف أن "العراق يقع في جغرافية الحرب، واستمرار الهجوم والهجوم المضاد على إيران يعني احتمالية أن تكون الأراضي والأجواء العراقية ضمن مناطق الحرب". وبيّن حسين أن "الإيرانيين أكدوا بوضوح عدم انطلاق أي هجوم على إسرائيل من الأراضي العراقية".
وفي الأسبوع الماضي، نفى "ائتلاف إدارة الدولة" ما يُشاع عن اتخاذ الأراضي العراقية منطلقاً لتنفيذ هجمات، بحسب بيان صدر عن التحالف الحاكم. كما وصف المجلس الوزاري للأمن الوطني الحديث عن استخدام الأراضي العراقية كمنطلق لتنفيذ هجمات بأنه "ذرائع كاذبة". كذلك نفت كتائب "حزب الله" الأنباء المتداولة عن نقل إيران أسلحة إلى العراق للرد على إسرائيل، في بيان للفصيل.
وكان تقرير أميركي قد كشف عن معلومات استخباراتية تشير إلى أن "الحرس الثوري الإيراني يقوم بنقل طائرات بدون طيار وصواريخ باليستية إلى الميليشيات الشيعية في العراق، ويخطط لشن هجوم مشترك ضد إسرائيل انطلاقاً من الأراضي العراقية".
وتوقع محللون أن يتخذ ترامب مواقف تصعيدية ضد إيران والفصائل فور عودته إلى البيت الأبيض. وفي الاتصال الأخير، نقلت صحف عربية عن وجود رسالة إلى إيران تم نقلها عن طريق الحكومة العراقية. ومنذ أسبوع، زار أكثر من مسؤول أمني عراقي طهران، آخرهم كان مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي.
يقول نائب وقيادي في أحد الأحزاب لـ(المدى) إن "الأعرجي ربما حمل رسالة من أميركا إلى إيران". القيادي الذي طلب عدم نشر اسمه، توقع أن فحوى الرسالة "هي طلب أميركي بوقف دعم إيران للفصائل، وأن تكون الحروب مباشرة دون وكلاء". والتقى الأعرجي مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي وقيادات عسكرية رفيعة في زيارته الأخيرة إلى طهران، وناقش الاتفاقية الأمنية.
ويمضي القيادي قائلاً: "الجزء الآخر من زيارة المسؤولين إلى إيران هو تطمين طهران بأن الاتفاقية ما زالت سارية". ويرى القيادي أن إيران "قلقة بسبب التغيرات في المنطقة أن يكون العراق قد تراجع عن تعهداته بعدما ضعفت جبهة إيران". وأكد القيادي أن الاتفاقية الأمنية التي تتضمن إبعاد الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة عن الحدود قد تم تنفيذها بالفعل، حيث أبعدوا عن الحدود بمسافة كبيرة.
وتتهم طهران هذه الجماعات، على الرغم من وجودهم في العراق بصفة "لاجئين"، بإثارة الاحتجاجات داخل إيران. ويقول القيادي إن "أعضاء أحزاب المعارضة مخيرون بين البقاء بلا سلاح في العراق أو مغادرة البلاد". كما توقع أن "بعض الأسماء المطلوبة لإيران سوف لن تبقى في العراق".
ووفق وسائل إعلام إيرانية، فإن مسؤولين إيرانيين أكدوا للأعرجي "تسريع عملية تنفيذ بنودها خاصة منع وجود أنشطة للإرهابيين خارج الحدود الغربية للبلاد".
هل تمتنع إيران عن دعم الفصائل؟
يجيب أحمد الياسري، وهو باحث في الشأن الإيراني، أن "ثوابت الدفاعات الإيرانية هي الحرب عن بُعد، وهو خيار ستراتيجي تشكل بعد الحرب العراقية الإيرانية، بسبب تأثيرات الحرب على المجتمع والاقتصاد الإيراني". وأضاف في حوار مع (المدى) أن "إيران منذ نهاية الحرب وحتى الآن تتجهز وتصنع وتطور قدراتها العسكرية لتنفيذ هذه الستراتيجية، واستغلت الظروف السيئة في العراق ودول أخرى لتنفيذ هذه الستراتيجية الدفاعية".
ويعتقد الباحث، الذي يرأس المركز العربي-الأسترالي للدراسات الستراتيجية، أن إيران لا يمكن أن تغيّر عقيدتها الدفاعية إلا إذا أصبحت "دولة نووية، أو بقدرات اقتصادية هائلة مثل الصين". وبسبب هذه العقيدة استطاعت إيران الحفاظ على النظام لمدة 40 عاماً، بحسب ما يقوله الياسري.
أما ترامب، فإنه "لا يريد التصعيد مع إيران، لذلك يريد أن يقول لطهران إن عليهم إيقاف الحروب بالوكالة، وبالمقابل يريد أن يدعم إسرائيل، وربما نتنياهو يأخذه للتصعيد"، على حد قول الباحث. ويعتقد الياسري أن "مواجهة إيران تتعارض مع وعود ترامب بإخضاع السياسات الخارجية لمنطق الاقتصاد السياسي".
ويقول الباحث: "ستبقى سياسات بايدن هي المتحكمة بالمنطقة لحين استلام ترامب السلطة العام المقبل".