بعد 7 سنوات من هزيمة تنظيم "داعش" في العراق، اعترف التنظيم بتنفيذ هجوم "دقيق"، وفقًا لوصف خبراء، استهدف قوات عسكرية شرقي صلاح الدين.
الهجوم، الذي أسفر عن مقتل وإصابة 6 عسكريين، بينهم ضباط برتبة رفيعة، يكشف عن وجود "مصنع للعبوات" داخل العراق يعمل بالتنسيق مع التنظيم، ويدل على استمرار "تمويل" الجماعات الإرهابية.
أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن الهجوم. وقالت "وكالة أعماق" التابعة للتنظيم إن ضابطين كبيرين وجندياً قُتلوا، وأصيب ثلاثة آخرون.
ورغم هزيمة التنظيم في عام 2017 بعد سيطرته على مساحات شاسعة من العراق وسوريا، لا تزال "فلول التنظيم" تشنّ هجمات متفرقة ضد القوات الأمنية.
من جانبها، نعت وزارة الدفاع ضابطين ومنتسباً "استشهدوا (يوم الأحد) أثناء تنفيذ الواجب ضمن قاطع المسؤولية"، وفق بيان رسمي.
وقع الحادث نتيجة انفجار استهدف رتلاً عسكرياً خلال عملية أمنية مشتركة لملاحقة خلايا تنظيم "داعش" في قضاء طوزخورماتو شرقي محافظة صلاح الدين، وفق بيان صادر عن قوات البيشمركة.
وأكد بيان سابق للبيشمركة أن "الحادث (الذي وقع يوم الأحد) أسفر عن استشهاد العقيد الركن سامان صابر، والعقيد محمد رضا كريم، ضابط الهندسة في الفرقة التاسعة من الجيش العراقي، ون.ض/ شريف أحمد محمد أمين، فضلاً عن إصابة ثلاثة جنود".
وكانت الولايات المتحدة قد حذرت في وقت سابق من إمكانية عودة التنظيم في العراق.
الفراغات الأمنية
وقال الفريق جبار الياور، الأمين العام السابق لوزارة البيشمركة، لـ(المدى): "الحادث وقع في مناطق الفراغ بين مسؤولية القوات الاتحادية وقوات البيشمركة".
تمتد هذه الفراغات على مسافة طولها أكثر من 560 كم، من خانقين عند الحدود الإيرانية (شرقاً) إلى منطقة سحيلة مع الحدود السورية (غرباً)، ويصل عرض هذه الفراغات في بعض المناطق إلى 50 كم.
تتمركز القوات الاتحادية والبيشمركة بخطوط متقابلة على طول تلك الفراغات، ومنذ عام 2019، تم تشكيل "لواءين مشتركين" لسد هذه الفجوات، لكنها "لم تستقر حتى الآن في مواقعها"، بحسب الياور.
وأضاف المسؤول العسكري السابق: "اللواءان دُمجا من وزارتي الدفاع والبيشمركة منذ حكومة مصطفى الكاظمي، وتم تدريبهم وتجهيزهم، لكن ليس لديهم مقرات حتى الآن".
الضباط والجنود الذين قُتلوا في الحادث الأخير كانوا ضمن أحد هذه الألوية المشتركة.
يفترض أن يتولى أحد الألوية مسؤولية المناطق من جنوب كركوك إلى خانقين، واللواء الآخر من شمال كركوك إلى سحيلة.
وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، نفذت القوات الأمنية، بمشاركة قوات نخبة أمريكية، ضربات استهدفت مخابئ التنظيم.
ووفقًا للياور، قُتل خلال تلك الفترة "56 إرهابياً، من بينهم ما يُسمى بوالي العراق".
وكان جهاز مكافحة الإرهاب قد أعلن في تموز الماضي، في بيان، أنه قتل 150 إرهابياً خلال العامين الأخيرين.
ورغم هذه الجهود، يؤكد المسؤول السابق في البيشمركة أن "داعش، منذ نهاية 2017، بدأ بالانتقال إلى المناطق النائية، حيث يعمل كفلاح في النهار وإرهابي في المساء".
مفارز صغيرة لـ"داعش"
وأشار الياور إلى أن "هناك مفارز صغيرة، تتألف من 4 إلى 5 أشخاص، تنشط في المناطق التي فر إليها التنظيم بعد انتهاء العمليات العسكرية، ويصعب تعقبهم بسبب وعورة تلك المواقع".
وأكد أن مناطق انتشار هذه المفارز تشمل: حمرين، جنوب غرب ركوك، قرب مخمور (قره جوخ)، وصحراء الأنبار.
ووصل أمس وفد أمني برئاسة رئيس أركان الجيش، الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، إلى قاطع عمليات الأنبار.
وذكر بيان أن "هدف الزيارة هو متابعة سير العمليات العسكرية (محمد رسول الله) الثانية".
وانطلقت يوم الأحد عمليات عسكرية في الأنبار، تهدف إلى إجراء "مسح وتفتيش قاطع المسؤولية المتمثل بمناطق قضاء القائم، ومنها مناطق (الكعرة ووادي الملصي)"، وفقًا لبيانات عسكرية.
كما تتضمن العملية "ستراتيجية لتعقب الخلايا الإرهابية النائمة ومنع أي موطئ قدم لها، من خلال سد جميع الثغرات الأمنية في هذه المناطق"، حسب البيانات ذاتها.
تحركات جديدة
وتثير خروقات تنظيم "داعش" المتكررة تساؤلات حول قرار الحكومة بسحب قوات التحالف خلال العامين المقبلين.
وقال صفاء الأعسم، وهو لواء سابق، إن "تحذيرات السفارة الأمريكية من عودة (داعش) قد تكون صحيحة".
وفي وقت سابق، أكدت السفيرة الأمريكية لدى بغداد، ألينا رومانوسكي، أن "داعش" لا يزال مصدر تهديد في العراق، وأن مهمة التحالف الدولي لم تنته بعد.
وأشار الأعسم إلى أن "اختيار التنظيم لضباط رفيعي المستوى مسؤولين عن المنطقة التي شهدت الانفجار الأخير في طوزخورماتو يوضح قدرته على التحرك وتنفيذ هجمات دقيقة".
وأضاف أن التنظيم "يمتلك تمويلاً، ولديه مصانع لتجهيز العبوات، وأذرع خارجية وداخلية تساعده".
وتعتقد مراكز تحليل أمريكية أن "داعش" جمع أموالاً طائلة بين عامي 2014 و2019 من بيع النفط وسرقة الأموال من سوريا والعراق، مما يتيح له القدرة على تمويل نفسه.
وحذر اللواء السابق من تحركات جديدة للتنظيم، بالتزامن مع إصدار قوات سوريا الديمقراطية، المعروفة بـ"قسد"، عفواً عن بعض عناصر "داعش".
وأشار الأعسم إلى ضرورة الانتباه إلى "مدن كركوك والمناطق المتنازع عليها".
ودعا اللواء السابق إلى "الإسراع بتسليم الملف الأمني في المحافظات إلى وزارة الداخلية، نظراً لتشتت القرار الأمني حالياً بين عدة تشكيلات في أغلب المحافظات".