تشهد البادية السورية نشاطا ملحوظا لتنظيم داعش، الذي بدأ ينشط مجددا بالتزامن مع التغييرات الميدانية في سوريا بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد وتشكيل الحكومة الانتقالية بقيادة هيئة تحرير الشام، والفصائل المتحالفة معها.
بعد خسارته كافة معاقله في سوريا عام 2019، توجه تنظيم داعش إلى تبني أسلوب جديد في هجماته، تمثل في الاعتماد على خلاياه النائمة ومجموعات صغيرة من مسلحيه، اتخذوا من البادية السورية ساحة للتنقل وشن هجمات خاطفة، ونصب الكمائن، إلى جانب تنفيذ الاغتيالات.
ورغم أن هجمات داعش ازدادت منذ مطلع العام الحالي 2024، إلا أن هذه الهجمات شهدت تصعيدا أكبر مع تقدم هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها، وسيطرتها على المدن السورية، وصولا إلى العاصمة دمشق وإسقاط نظام الأسد.
ويشكل تنامي نشاطات التنظيم في عمق البادية السورية المحاذية للحدود العراقية تهديدا على العراق، إذا تمكن مسلحو التنظيم من السيطرة على الحدود السورية العراقية، ونجحوا مجددا من اجتيازها.
لكن العراق يؤكد تأمين حدوده مع سوريا بالكامل بمجموعة من الخطوات والإجراءات والتحصينات الأمنية، مع استمرار متابعته ومراقبته لنشاطات التنظيم داخل الأراضي السورية.
ويقول رئيس خلية الإعلام الأمني العراقي، اللواء تحسين الخفاجي، لـ"الحرة": "نلاحظ ونراقب الوضع فيما يخص تحركات تنظيم داعش الإرهابي، وهذا يتابع من خلال أجهزتنا الأمنية والاستخبارية في مجال التحصين الأمني، كل ما يهمنا تحصين حدودنا من أي تغلغل من قبلهم باتجاه أراضينا، ونجحنا نجاحا كبيرا في منعهم من ذلك".
ويؤكد الخفاجي أن العراق بدأ منذ أكثر من ثلاثة سنوات بالعمل على تأمين حدوده مع سوريا، وأنشأ سدوداً ترابية وأبراج مراقبة وكاميرات وخطوط صد، وزاد من عدد قوات قيادة حرس الحدود وزودها بأسلحة ومعدات، مشيرا إلى وجود خطين دفاعيين على الحدود العراقية السورية خلف خط حرس الحدود، هما خط دفاعي من الجيش العراقي وخط دفاعي آخر من الحشد الشعبي.
ويشدد الخفاجي على أن وضع الحدود العراقية الآن أفضل بكثير عما كانت عليه عام 2014، لافتا إلى أن عمليات تحصين الحدود بدأت بـ 300 كيلومتر من وضع صبات أسمنتية، مع استمرار الجهد والعمل لتغطية كل المناطق المعقدة جغرافيا بين البلدين، إلى جانب مراقبة ومتابعة مستمرة من قبل الأجهزة الأمنية والاستخبارية.
ويضيف الخفاجي "نعمل بشكل متواصل من أجل متابعة وملاحقة كل من يتواجد من إرهابيي داعش داخل العراق، واستطعنا من خلال ضربات جوية عبر خلية الاستهداف، وبجهد استخباري مميز لمديرية الاستخبارات العسكرية قتل 150 إرهابيا منذ مطلع العام الحالي والى حد الآن".
وبدأ العراق بتحشيد أعداد كبيرة من القوات الأمنية والعسكرية المزودة بالأسلحة الثقيلة على الشريط الحدودي الفاصل بينه وبين سوريا منذ انطلاق العمليات العسكرية للفصائل السورية ضد نظام الأسد والمليشيات الإيرانية نهاية نوفمبر الماضي.
ويرى الخبير العسكري والاستراتيجي، علاء النشوع، أن الاستعدادات العسكرية العراقية لردع داعش مبالغ فيها كثيراً، سواء من مبدأ حشد القوى أو العدد الكبير للقوات الأمنية والعسكرية.
ويعتقد النشوع أن التحشيد العشوائي، خاصة في انفتاح القطعات المختلفة من ناحية ووجود الحشد الشعبي، الذي لا يمتثل لأوامر الجيش والقطعات الماسكة، من الأخطاء الميدانية القاتلة.
ويوضح النشوع لـ"الحرة": "كان على القيادة العسكرية العراقية توزيع قطعاتها حسب الحاجة والاستفادة من التقنيات والتكنولوجيا والمراقبة الجوية في رصد كل التحركات على الحدود، ووضع المعالجات المناسبة في استخدام القطعات حسب الحاجة، دون استخدام هذه التكتلات البشرية الضخمة التي يمكن أن تعرضها لخسائر كبيرة، إضافة إلى خسارة في الجهد البدني وحتى النفسي والمعنوي".
ويتخذ مسلحو داعش من المناطق النائية في البادية السورية، ضمن محافظات حماة وحمص ودير الزور والرقة ساحة لتحركاتهم، وينتشرون في محيط جبل البشري بريف الرقة والرصافة ومناطق آثريا والرهجان المتصلة بريف حماة الشرقي، إضافة لبادية السخنة وتدمر في ريف حمص الشرقي.
ويقدر مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبدالرحمن، في تقرير نشره المرصد على موقعه، في سبتمبر الماضي، عدد مسلحي التنظيم بنحو ألفي مسلح بعتادهم العسكري، لافتا إلى أن مسلحي داعش يستفيدون من طبيعة البيئة الصحراوية في البادية السورية فهي مناطق مكشوفة تمكنه من تنفيذ الهجمات العسكرية المباغتة ونشر الألغام ونصب الكمائن.
ووفق إحصائيات المرصد السوري، نفذ التنظيم 252 عملية ضمن مناطق نفوذ الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا منذ مطلع العام 2024، تمت هذه العمليات عبر هجمات مسلحة وتفجيرات، وبلغت حصيلة القتلى جراءها 114 قتيلا.
وتشير الباحثة المتخصصة في شؤون المجموعات الإرهابية، لامار اركندي، إلى أن تنظيم داعش متأهب دائما لاقتناص أي فرصة توصله لإمكانية ترتيب هيكليته وتوسعه في مناطق أخرى يعتبرها الحدود الإدارية لدولة خلافته، لاسيما البادية السورية.
وتبين أركندي لـ"الحرة"، "انشغال قوات سوريا الديمقراطية اليوم بصد الباب أمام أطماع تركيا باحتلال المزيد من الأراضي السورية، منح التنظيم فرصة تجنيد المزيد من الموالين له وإمكانية شن هجمات على السجون التي تتحفظ فيها (قسد) على مسلحي تنظيم داعش وكذلك شن هجمات على مخيم الهول الذي تقطن فيه عوائل قادته ومسلحيه".
وترى أركندي أنه في حال شنت تركيا هجوما على مدينة كوباني، فإن "قسد" ستضطر إلى سحب قواتها باتجاه الشمال، وبالتالي ستكون قدرتها على حراسة هذه السجون ضعيفة جدا، لأنها ستسحب مقاتليها إلى الجبهة الشمالية لصد هجمات أنقرة.
وتحذر من تحول سوريا إلى مرتع للإرهاب وللاقتتال بين الفصائل الجهادية المدرجة على لوائح الإرهاب، إذا استعاد داعش نشاطه بشكل كبير واستولى مجددا على جغرافيا ينطلق منها لبناء دولته من جديد، وبالتالي قد يتطور هذا التحرك إلى معارك ضارية بين داعش وهيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها.