لا تستبعد قوى في كركوك أن تكون "الخلافات السياسية" وراء نشر "دعايات مضخمة" عن وجود "داعش" في المدينة.
المحافظة تعاني منذ أشهر من "شلل سياسي"، فيما تنتظر هذا الأسبوع قرار القضاء بشأن تشكيل الحكومة في كركوك.
لكن ذلك لا يخفي تسجيل حوادث أمنية "مريبة" في كركوك نُسبت لتنظيم "داعش"، وعودة ظهور الانتحاريين خلال الشهرين الماضيين.
الحديث عن المدينة الأكثر جدلًا في العراق يأتي بعد أنباء متضاربة عن تعليق مجهولين "راية داعش" على مدرسة في كركوك.
كذلك، تزامنت هذه الأحداث مع تحذيرات وزير الخارجية فؤاد حسين بشأن إعادة تنظيم "داعش" صفوفه بعد سقوط النظام السوري. وأضاف حسين، خلال اتصال مع وزير بريطاني، أن التنظيم "استولى على كميات من الأسلحة نتيجة انهيار الجيش السوري وتركه مخازن أسلحته، مما أتاح له توسيع سيطرته على مناطق إضافية"، وفق بيان للخارجية. وحذّر حسين، بحسب البيان، من خطورة هروب عناصر "داعش" من السجون ومن انفلات الوضع في مخيم الهول، وانعكاس ذلك على الأمن في سوريا والعراق.
وتحتضن مدينة الهول، التابعة لمحافظة الحسكة شمالي سوريا، مخيم الهول الذي يُعد من أكبر المخيمات، إذ يضم نحو 40 ألف نازح من 42 جنسية مختلفة، بينهم عائلات مسلحي تنظيم "داعش" العراقيين والسوريين والأجانب.
أزمة سياسية
لاقت تصريحات وزير الخارجية صدى في الداخل بعد أنباء عن تعليق "راية داعش السوداء" على إحدى المدارس في قرية خالد بداقوق، جنوب كركوك. يفيد هدايت طاهر، رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني في كركوك، في اتصال مع (المدى)، بأن "خاسرين في كركوك يدفعون إلى الترويج لوجود التنظيم". كما أضاف أن "أطرافًا دولية تريد زعزعة الوضع في المدينة، وربما تساعد فعليًا في دعم المسلحين، وليس الترويج فقط". منذ تشكيل الحكومة المحلية في كركوك، في آب الماضي، لم يجتمع مجلس المحافظة إلا نادرًا بسبب الخلافات السياسية.
ويُفترض أن تحسم محكمة القضاء الإداري، يوم 24 كانون الأول المقبل، شرعية الحكومة المحلية بعد شكاوى من أطراف سياسية.
راية التنظيم
وعن الراية المزعومة لـ"داعش"، أكد طاهر أنه تلقى أخبارًا من الشرطة تفيد بـ"نفي هذه الحادثة".
لكنه أضاف: "هذه ليست الحادثة الأولى؛ فقد سبقتها حوادث مشابهة برفع رايات التنظيم في منطقة الرياض، غربي كركوك".
ويُعتقد أن هناك لبسًا في قضية "الراية"، حيث تبيّن أن ما نُشر كان "لافتة نعي سوداء" وليست راية لـ"داعش". لتكرار هذه الحوادث، يشير طاهر إلى احتمالية نفي خبر الراية كإجراء يتعلق بـ"عدم إثارة خوف السكان". وكانت وزارة الداخلية قد أصدرت، لاحقًا، بيانًا نفت فيه وجود راية لـ"داعش" في داقوق. ورغم ذلك، شهدت كركوك خلال الشهرين الماضيين اعتقال "انتحاري" بعد سنوات من غياب الانتحاريين في العراق، كما قُتل ضباط جيش برتب رفيعة في كمين، ما يؤشر إلى استمرار نشاط التنظيم. يقول الفريق جبار الياور، الأمين العام السابق لوزارة البيشمركة، لـ(المدى)، إن "كركوك تقع ضمن الفراغات الأمنية بين مسؤولية القوات الاتحادية وقوات البيشمركة".
تمتد هذه الفراغات على مسافة طولها أكثر من 560 كم، من خانقين على الحدود الإيرانية (شرقًا) إلى منطقة سحيلة على الحدود السورية (غربًا)، ويصل عرض هذه الفراغات في بعض المناطق إلى 50 كم. تتمركز القوات الاتحادية والبيشمركة على خطوط متقابلة بطول تلك الفراغات. ومنذ عام 2019، تم تشكيل "لواءين مشتركين" لسد هذه الفجوات، لكنها "لم تستقر حتى الآن في مواقعها"، بحسب الياور. وخلال الأشهر الأخيرة، نفذت القوات الأمنية، بمشاركة قوات نخبة أمريكية، ضربات استهدفت مخابئ التنظيم في كركوك ومدن أخرى. وكان جهاز مكافحة الإرهاب قد أعلن، في تموز الماضي، أنه قتل 150 إرهابيًا خلال العامين الأخيرين. ورغم هذه الجهود، يؤكد المسؤول السابق في البيشمركة أن "داعش، منذ نهاية 2017، بدأ بالانتقال إلى المناطق النائية، حيث يعمل كفلاح في النهار وإرهابي في المساء".
إعلام "داعش"
ويرى المسؤول العسكري السابق أن "من تبقى من التنظيم هم عناصر عقائدية ولديهم نشاط إعلامي كبير". كما أضاف أن "هناك حاضنة اجتماعية لبعض هؤلاء تساعدهم في التخفي والاستمرار".
قبل أسبوع، كُشفت هوية انتحاري حاول تفجير نفسه في مطعم "الزيتون" بنفس القضاء الذي شهد تداول أخبار حول نشر راية التنظيم المزعومة. الانتحاري المعتقل كان من سكان داقوق والمسؤول الأمني في "داعش" هناك.
ولا يُعرف بشكل دقيق عدد مسلحي التنظيم الذين لا يزالون مختبئين في كركوك بعد سبع سنوات من إعلان "التحرير". وفي الشهر الماضي، أسفر هجوم تبناه "داعش" بين كركوك وصلاح الدين عن مقتل وإصابة 6 عسكريين، بينهم ضباط برتب رفيعة. ويعتقد مسؤولون محليون في كركوك أن رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي ارتكب خطأً خلال عملية تحرير المحافظة.
وجرت عملية تحرير "سريعة" لمدينة الحويجة، غرب كركوك، نهاية عام 2017، حيث نقل رئيس الحكومة آنذاك القوات إلى المدينة للرد على ما عُرف بـ"استفتاء كردستان".