تذهب قضية "دمج الفصائل" إلى مسارات تفاوضية صعبة، حيث تفرض بعض الجماعات الحصول على "مواقع مهمة" مقابل التخلي عن السلاح.
وتدريجيًا بدأت الفصائل في العراق تسرب معلومات عن "رفض" ترك السلاح، فيما يبدو أنه جزء من الضغوط التي تمارسها على السلطة أثناء عمليات التفاوض.
وكانت الحكومة قد أعلنت الأسبوع الماضي أنها بدأت نقاشًا سياسيًا من أجل دمج عدد من الفصائل، بالتزامن مع أنباء عن عقوبات أمريكية ستفرض ضد بغداد بسبب ملف الجماعات المسلحة التابعة لإيران.
وينفي بالمقابل وزير الخارجية فؤاد حسين وجود تهديدات للنظام العراقي من قبل الولايات المتحدة، بعد أيام قليلة من تصريحاته التي أثارت الجدل حول احتمال عدم انسحاب القوات الأمريكية من العراق.
حسين قال خلال ندوة حوارية في بغداد: "إن أمن العراق مرتبط بأمن المنطقة والعكس صحيح"، مشيرًا إلى أن "علاقاتنا مع الدول الغربية قوية".
وأضاف أن "الجولة الخامسة للحوار الستراتيجي مع الولايات المتحدة ستكون واسعة وتشمل لجانًا عدة"، مؤكدًا أنه "لم نسمع أي تهديدات من الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه العراق".
وكان عمار الحكيم، القيادي البارز في الإطار التنسيقي الشيعي، وصف الشهر الماضي في جلسة حوارية بالنجف، الأخبار عن التهديدات الأمريكية للعراق بـ"الفيسبوكية".
لكن الحكيم كشف بالمقابل، في نفس الجلسة، أنه تلقى معلومات من واشنطن بأن الفصائل ستتعرض للاستهداف.
ونفى الحكيم وقتها استهداف ترامب (الرئيس الأمريكي دونالد ترامب) النظام السياسي العراقي أو الإطار التنسيقي، وقال: "كما هو معروف، فإن هناك موقفًا سيتخذ ضد الفصائل، وهذا ما وصلنا من الإدارة الأمريكية وبعض قوى الإطار التي تمتلك فصائل مسلحة، وهذا الاستهداف لا يكون لأنهم من الإطار التنسيقي، بل لأنهم ضمن الفصائل".
ومنذ فوز ترامب بالانتخابات الأمريكية التي جرت قبل نحو شهرين، بدأ في العراق الكلام عن "دمج الفصائل" بطلب أمريكي، وهو ما كشفه مستشار لرئيس الحكومة محمد السوداني الشهر الماضي.
وأثناء تلك السجالات، كان قد وصل إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس الإيراني، إلى بغداد، وتسربت معلومات عن "ضوء أخضر" من إيران للتصرف مع الفصائل التي تُعرف بـ"المتمردة".
لكن علي خامنئي، المرشد الإيراني، طلب من السوداني، أثناء زيارة أجراها الأخير إلى طهران قبل عدة أسابيع؛ "تعزيز الحشد" و"طرد الأمريكيين".
وفور عودة السوداني إلى بغداد، أصدر الإطار التنسيقي بيانًا نفى فيه مناقشة "دمج الحشد بوزارة الدفاع".
لكن بعد أيام قليلة من بيان "الإطار"، كشف وزير الخارجية عن مفاوضات بهذا الشأن.
وشنت الفصائل بالمقابل "هجومًا كلاميًا" على فؤاد حسين والحكيم على خلفية التصريحات المتعلقة بالفصائل.
وكان السوداني، رئيس الحكومة، قال في تصريحات صحفية، عقب كلام وزير الخارجية، إن المجموعات المسلحة في العراق لم يبقَ منها إلا 3 أو 4 مجموعات، وتعمل الحكومة على دمجها.
كواليس المفاوضات
وتشير مصادر سياسية لـ(المدى)، إلى أن المفاوضات مع الفصائل "تواجه صعوبات وتعقيدات".
وأفادت المصادر أن "بعض الفصائل تريد مقابل الدمج أن تحصل على مواقع حكومية حساسة ومؤثرة في القرار السياسي".
ووصف المصدر الحديث بالإعلام عن رفض الفصائل "رمي السلاح" بأنه "ضغوطات من أجل التفاوض والحصول على مواقع مهمة بالدولة".
ونفى القيادي في فصيل "أنصار الله الأوفياء" علي الفتلاوي الحديث عن تسليم "فصائل" سلاحها.
وقال في تصريحات صحفية: "إن حل فصائل المقاومة أمر غير ممكن وبعيد عن الحقيقة ومجرد حلم لدى البعض، ولم ولن يتحقق، في ظل الوجود الأمريكي المحتل في البلاد".
وقبل أيام، عادت الفصائل العراقية تهدد واشنطن بسبب معلومات عن احتمال تراجع الولايات المتحدة عن قرار سحب القوات.
وقال أكرم الكعبي، المسؤول عن حركة "النجباء"، في مقطع فيديو: "إن هذا المحتل، وبعد أحداث سوريا، صار يتلكأ في الانسحاب من عين الأسد (القاعدة الأمريكية غربي الأنبار)".
وأضاف الكعبي أن "هذا له دلائل خطيرة، لذلك نحذره (في إشارة إلى أمريكا) من أن تنصله عن انسحابه يعني أن عملياتنا العسكرية ستعود بوتيرة أعلى من السابق، فقد تفرغنا وتجهزنا له".
وفي وقت سابق، نفى رئيس المكتب السياسي لحركة النجباء، علي الأسدي، "وجود أي حوار يتعلق بحل الفصائل المقاومة أو نزع سلاحها"، مؤكدًا في تصريحات صحفية أن "الحكومة لم تخاطبنا بذلك".
وشدد: "نحن في حركة النجباء لم ولن نرمي سلاحنا… ولدينا أسلحة ثقيلة".
وقال القيادي في النجباء: "المقاومة ستترك السلاح لو طلب منا السيد السيستاني ذلك بصراحة وبشكل مباشر".
وبحسب التسريبات القريبة من الفصائل، فإن حركة النجباء، بزعامة أكرم الكعبي، رفضت تلك الحوارات المتضمنة "نزع السلاح" و"الالتزام بخط الحشد الشعبي" في اتباع سياسة عدم التدخل في الشؤون الإقليمية، التي تحدث عنها قبل أيام قيس الخزعلي (زعيم العصائب).
وعمليًا، فإن "النجباء" والمجموعتين الأخريين اللتين يتم التفاوض معهما (سيد الشهداء وكتائب حزب الله) منضوية فعليًا في الحشد (لديهم 5 ألوية على الأقل)، لكنها لا تلتزم بالتعليمات.
ومعروف أن "سيد الشهداء" يرأسها أبو آلاء الولائي، وهو أحد زعامات "الإطار التنسيقي"، ويحضر دائمًا الاجتماعات الخاصة بالتحالف، كما يظهر في الصور التي ينشرها التحالف.