يعتبر الدعم المالي الأمريكي لمنظمات المجتمع المدني في العراق، هو أكبر تمويل تتلقاه، إذ يغطي ما يقارب من نسبة 60 بالمئة من مجموع الدعم الوارد مقارنة بالجهات الداعمة الأخرى، وبإيقافه يشكل ضربة قاضية لتلك المنظمات التي تستعد لتسريح كوادرها والتحضير للإغلاق، وسط توقعات بأن يشمل الإغلاق ما نسبته 90 بالمائة من المنظمات خلال العاملين المقبلين، وفق ما تحدثت به عدد من المنظمات لوكالة شفق نيوز.
وأبلغت وزارة الخارجية الأمريكية، أمس الجمعة، الكونغرس رسمياً، بإغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، مع استمرار العمليات والبرامج المتبقية التي تديرها الوكالة الدبلوماسية.
ويأتي هذا التبليغ استكمالاً لما أمر به الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في أول يوم له في البيت الأبيض (20 كانون الثاني/يناير2025)، بتجميد جميع المساعدات الخارجية الأمريكية لمدة 90 يوماً، ومراجعة ما إذا كانت برامج المساعدة تتماشى مع سياسة إدارته.
يذكر أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وزعت ما يقرب من 43.8 مليار دولار من المساعدات في عام 2023، وفي المجموع، صرفت الحكومة الأمريكية 71.9 مليار دولار من المساعدات الخارجية، أي حوالي 1.2% من إجمالي الميزانية.
ويعد العراق، من أبرز الدول التي تضم مشاريع مدعومة من الوكالة الأمريكية، وتركزت غالبيتها على إعادة تأهيل برامج عودة النازحين، وتقديم مساعدات عينية للتخفيف من الفقر، ومعالجة مشكلات المياه، وقطاعات التعليم، والبنى التحتية، فضلاً عن دعم المشروعات الصغيرة وبرامج "ريادة الأعمال" بشراكات مع مصارف محلية.
ونشرت السيناتور الأمريكية، جوني إيرنست، مؤخراً، قائمة بالمشاريع والبرامج التي تقول إن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) ساعدت في تمويلها على مر السنين، باعتباره "إنفاقاً مسرفاً وخطيراً"، ومن بين البرامج دفع 20 مليون دولار لمنظمة محلية في العراق لإنشاء برنامج "شارع سمسم".
وبرامج "أهلا سمسم"، عبارة عن ورش يتم تقديمها للشباب في محافظات عراقية عدة لصناعة المحتوى وتعزيز المهارات الفنية للشباب، وأقيمت هذه الورش بالفعل بالتعاون مع عدد من مديريات الشباب والرياضة والمؤسسات الحكومية في العراق.
ونهاية العام الماضي، أعلنت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، عن استثمار غير مسبوق بقيمة تصل إلى 20 مليون دولار يمتد لأربع سنوات، ويهدف لتحسين خدمات المياه والصرف الصحي في العراق، بالتعاون مع اليونيسف وبتوجيه من الحكومة العراقية.
حيث كان من المقرر تنفيذ مشاريع نوعية في خمس محافظات تشمل ميسان، والديوانية، ونينوى، وبغداد، وأربيل، بهدف تعزيز البنية التحتية للمياه والصرف وتحسين جودة الخدمات المقدمة لما يقارب 2.5 مليون شخص، مع التركيز على الفئات الأكثر تضرراً واحتياجاً.
أضخم مموّل للمنظمات
وإلى جانب تلك المشاريع، تقول الباحثة في مركز المعلومة للبحث والتطوير، زينب علي شبر، إن "التمويل الأمريكي يعتبر أكبر دعم لمشاريع منظمات المجتمع المدني في العراق، وبقطعه شكل ضربة أنهت عدداً من المشاريع المهمة والتي هناك حاجة إليها في جانب الإغاثة ومنع خطابات الكراهية وبناء الخدمات اللوجستية في المناطق المحررة وغيرها".
وتضيف شبر لوكالة شفق نيوز، أن "التمويل الأمريكي كان يشمل التوعية للمشاريع التي تعتمد على العمال وحقوق العاملين والضمان الاجتماعي، وبقطعه سبب مشاكل كبيرة للمنظمات، وعدد كبير منها بدأت بتقليص كوادرها ما خلق بطالة جديدة، فيما تستعد أخرى للإغلاق، ومن المتوقع إغلاق ما نسبته 90 بالمئة من منظمات المجتمع المدني خلال العامين المقبلين".
وتشير إلى أن "أضخم مموّل للمنظمات هو التمويل الأمريكي، أما الأوروبي فهو موجود ومستمر لكنه لا يكفي، بل أن هناك منظمات أوروبية تتسلم منحاً من الخارجية الأمريكية".
"ويغطي الدعم الأمريكي ما يقارب من نسبة 60 بالمئة من مجموع الدعم الوارد إلى العراق مقارنة بالجهات الداعمة الأخرى، وبانقطاعه سيتسبب بتوقف العديد من المشاريع والبرامج التنموية المهمة التي يحتاجها العراق للنهوض بواقع أفضل"، بحسب رئيس منظمة "آيسن" لحقوق الإنسان والتنمية المستدامة، انسام سلمان.
برامج إعادة النازحين والمهجرين
وتؤكد سلمان خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، أن "بقطع التمويل المالي الأمريكي ستتأثر برامج الأمم المتحدة الإنمائية بشكل كبير، وخصوصاً البرامج المشتركة مع وزارة الهجرة والمهجرين العراقية في مخيمي (الهول) و(الأمل)، والكثير من البرامج المعنية بعودة الأسر العراقية من شمال سوريا التي تعتمد بالدرجة الأساس على التمويل الذي تقدمه برامج الأمم المتحدة المدعومة من الجانب الأمريكي".
وفي هذا السياق، يقول المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، علي الجهاكير، أن "قطع التمويل الأمريكي لن يؤثر على وزارة الهجرة فهي وزارة حكومية، لكنه سيؤثر على عمل المنظمات منها منظمة الهجرة الدولية التي تنفذ برامج في مخيم (الجدعة) بتمويل من الوكالة الأمريكية".
ويضيف الجهاكير خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "أكثر المشاريع التي توقفت هي مشاريع تأهيلية وبرامج مموّلة من الحكومة الأمريكية، لكن هناك بعض المنظمات تعمل على منح من الاتحاد الأوروبي وهي مستمرة في العمل، أما المشاريع التي توقفت فهي ليست جوهرية بل يمكن تعويضها بالبحث عن تمويل آخر".
البحث عن بديل واستئناف الدعم
وخيار البحث عن تمويل آخر هو ما تدعو إليه أيضاً رئيس منظمة "آيسن"، انسام سلمان، بالقول إن "على الحكومة العراقية البحث عن دعم بديل لأن هذه البرامج هي برامج مهمة، ومن الضروري دعم وزارة الهجرة بهذا الشأن، وفي الوقت نفسه، على الحكومة العراقية فتح باب الحوار مع الجانب الأمريكي لتوضيح أهمية هذا الدعم عسى أن يُستأنف".
يذكر أن مستشارية الأمن القومي ووزارات عراقية طالبت، في 13 مارس/آذار الجاري، الولايات المتحدة الأمريكية إعادة النظر بقرار تعليق الدعم للمنظمات الدولية العاملة في العراق.
جاء ذلك خلال عقد المستشارية اجتماعاً طارئاً لجميع الوزارات ذات العلاقة بمجالات العمل التي حددتها رسالة الأمين العام للأمم المتحدة إلى رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، بخصوص مركز "الأمل"، ومخيم "الهول"، وملف العوائل العراقية العائدة من شمال شرق سوريا، وبحث أثر تعديل تمويل الدعم الأمريكي لبرامج الأمم المتحدة في العراق.
دعم المنظمات من الدولة العراقية
لكن في المقابل، ترى نائب رئيس منظمة مركز شباب العراق للدراسات والتدريب، آلاء الموسوي، أن "العراق فيه خيرات كثيرة والدولة قادرة على توفير الدعم لمنظمات المجتمع المدني، وعندما يكون هذا الدعم من الدولة يكون العمل للدولة أيضاً، وبالتالي يكون الولاء للعراق".
وتشير الموسوي خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، إلى أن "كل صاحب مال خارجي أو داخلي غير الدولة له أهداف معينة سواء بالترويج له أو لأمور معينة، فكل جهة لها هدف أو غاية، وإن بانت الأجندات الخارجية في دعم المنظمات هي في خدمة المواطن العراقي، لكنها هي ليست أحرص من الدولة العراقية على العراق وشعبه".
وتضيف، "لذلك من المفترض أن تكون الدولة هي المسؤولة عن المنظمات وعن دعمها، فالمنظمات في النهاية تعمل للعراق وتساهم في تخفيف العبئ عن كاهل الدولة".
وتوضح، أن "منظمات المجتمع المدني لقربهم من المواطنين تستطيع الوصول لحالات بحاجة إلى اهتمام ورعاية من الدولة، وأن بدعم الدولة لهذه المنظمات والأخيرة نقلت الحالات التي تحصل داخل البلاد إلى الدولة، فهذا أفضل من نقلها إلى الجهات الخارجية التي لها غايات وأهداف معينة من الدعم".