المقدمة
يواجه العراق تحديات بيئية جسيمة تهدد حاضره ومستقبله. فمن تراجع الغطاء النباتي، وشحة المياه، إلى تصاعد العواصف الرملية وتلوث الهواء، أصبحت البيئة العراقية في مفترق طرق خطير. وبينما تشتد آثار التغير المناخي، تتعاظم الحاجة إلى التحرك الجاد لحماية هذا البلد الذي كان يومًا "أرض السواد" بفضل خصوبة تربته وغنى موارده.
وربما لا يعلم البعض بوجود قانون لحماية البيئة العراقية مكون من عشرة فصول والعشرات من الأبواب والقوانين، إذا طبقت لأصبح العراق من أفضل الدول بيئيا. وسمي القانون "قانون حٌماية وٌتحسين اٌلبيئة رٌقم (27) لٌسنةٌ 2009."
واقع البيئة العراقية اليوم بالأرقام
المصدر وزارة البيئة العراقية: الأراضي المتصحرة تشكل نسبة 39% من مساحة العراق.
المصدر وزارة الصحة: أكثر من 300 يوم غبار سنويا في بعض المناطق.
المصدر البنك الدولي: 80% نسبة مياه الصرف غير المعالجة تُرمى مباشرة في الأنهار.
المصدر منظمة فاو: أكثر من 250 ألف هكتار عدد الهكتارات الزراعية المفقودة سنويًا.
المصدر وزارة الموارد المائية: أكثر من 60% انخفاض مستوى الأنهار العراقية.
المصدر الأمم المتحدة: حذرت تقارير الأمم المتحدة، بأن نهري دجلة والفرات، المصدران الرئيسيان للمسطحات المائية في العراق قد يتعرضا للجفاف بحلول عام 2040.
الصعوبات التي تواجه البيئة العراقية
أولاً: التغير المناخي والتصحر
التصحر يلتهم الأرض الزراعية:
تشير إحصائيات وزارة الزراعة العراقية إلى أن أكثر من 27 مليون دونم (15% من مساحة العراق) أصبحت أراضي متصحرة تمامًا، فيما يُصنف نحو 55% من أراضي البلاد على أنها مهددة بالتصحر، خصوصًا في المناطق الغربية والجنوبية.
الغطاء النباتي يتراجع:
وتراجع الغطاء النباتي من نحو 50% إلى 17% فقط خلال العقود الثلاثة الماضية، نتيجة الجفاف، والاحتطاب الجائر، والإهمال الزراعي.
خسائر الزراعة:
وفقد العراق 30% من أراضيه الزراعية المنتجة، لا سيما في محافظات نينوى، واسط، وديالى، بسبب انخفاض مناسيب المياه وملوحة التربة.
ثانيًا: شحة المياه وتلوثها
نقص المياه من دول الجوار:
العراق يعتمد على نهري دجلة والفرات بنسبة 98% من حاجاته المائية، لكن التدفقات انخفضت بنسبة 30–40% بسبب السدود في تركيا وإيران، مما يؤثر بشكل مباشر على الزراعة ومياه الشرب.
غياب الاتفاقيات الدولية الفعّالة بشأن تقاسم المياه.
الإفراط في استخدام المياه في الزراعة التقليدية (الري بالغمر).
تلوث الأنهار:
وحسب تقارير وزارة البيئة العراقية تعاني مياه دجلة والفرات من تلوث حاد بالمعادن الثقيلة والملوحة والنفايات الصناعية.
ارتفاع تركيز الكلوريدات إلى أكثر من 400 ملغم/لتر (الحد المسموح 250).
. زيادة الملوحة بنسبة تتجاوز 50% عن المعدلات المسموح بها
. تسرب مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى الأنهار في عدد من المحافظات
ثالثًا: تلوث الهواء والمخاطر الصحية
العراق من بين الأكثر تلوثًا عالميًا:
احتل العراق المرتبة السادسة عالميًا والأولى عربيًا في مؤشرات تلوث الهواء لعام 2023، حيث بلغت تركيزات الجسيمات الدقيقة نحو 43.8 ميكروغرام/م³، بينما المعدل الآمن عالميًا هو 5 ميكروغرام فقط.
بغداد مدينة مختنقة:
صنفت بغداد في المرتبة 13 عالميًا ضمن أكثر المدن تلوثًا، ما يسبب تفاقم أمراض الجهاز التنفسي، خاصة لدى الأطفال وكبار السن.
أسباب التلوث:
انبعاثات السيارات القديمة.
المولدات المنتشرة بسبب ضعف الكهرباء.
حرق النفايات في العراء.
. انعدام الرقابة الصناعية
رابعًا: العواصف الرملية
ازدياد العواصف في العقود الأخيرة:
كان العراق يعاني من 25 عاصفة سنويًا في الخمسينات، لكن الرقم تجاوز 300 عاصفة في بعض السنوات الحديثة، ووفق الأمم المتحدة، قد يصل العدد إلى 272 يومًا من الغبار سنويًا بحلول عام 2050!
تأثير صحي مباشر:
تسببت إحدى العواصف في ربيع 2023 بإصابة 3,000 شخص بمشاكل تنفسية، نقل منهم 1,800 شخص إلى المستشفيات في يوم واحد
أسباب الزيادة:
الجفاف وتآكل التربة.
تراجع الغطاء النباتي.
سوء إدارة الأراضي.
خامسًا: النفايات والتلوث الصناعي
غياب منظومة تدوير فعالة:
العراق ينتج أكثر من 8,000 طن من النفايات الصلبة يوميًا، يُطمر معظمها في مكبات عشوائية، دون تصنيف أو تدوير.
النفايات الطبية والخطرة:
يُقدر أن نحو 50% من النفايات الطبية في المستشفيات تُحرق أو تُرمى دون معالجة آمنة، ما يشكل خطرًا على الصحة العامة..
المنشآت النفطية:
تسهم في تلويث المياه الجوفية والسطحية وتسرب الغازات السامة، لا سيما في البصرة وميسان.
سادسًا: الأثر الاجتماعي والاقتصادي
الهجرة البيئية:
تشهد محافظات الجنوب (البصرة، ذي قار، المثنى) موجات نزوح بسبب ملوحة المياه وفقدان سبل العيش الزراعي.
الفقر البيئي
تشير دراسات البنك الدولي إلى أن نحو 4 ملايين عراقي قد يواجهون خطر الفقر البيئي بحلول 2030.
سابعًا: الحلول المقترحة
سياسات حكومية صارمة لمراقبة الانبعاثات والنفايات.
زراعة الأحزمة الخضراء لمكافحة التصحر والعواصف الرملية.
تقنيات الري الحديث لتقليل هدر المياه.
معالجة مياه الصرف الصحي قبل تصريفها في الأنهار.
التعاون الإقليمي لضمان حصة عادلة من المياه من تركيا وإيران.
. تعزيز الوعي البيئي في المدارس والجامعات
الاستثمار في الطاقة المتجددة للحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري.
تحديث أنظمة الري من الغمر إلى التنقيط.
استصلاح الأراضي الزراعية المتدهورة بالتعاون مع منظمات دولية والأمم المتحدة.
حماية الأهوار وتطوير السياحة البيئية فيها.
خاتمة
البيئة في العراق تعاني من أزمات متشابكة، لكن الأمل لا يزال موجودًا. إذا ما توافرت الإرادة السياسية، ودُعمت الجهود المحلية والعالمية، يمكن للعراق أن يعود كما كان وطن النخيل والماء والخضرة. فالحفاظ على البيئة ليس خيارًا، بل مسؤولية وطنية وإنسانية لا تقبل التأجيل.
إن الحل لا يكمن فقط في السياسات الحكومية، بل في الوعي المجتمعي، ودور الإعلام، والتعليم، والمبادرات الشبابية. فالحفاظ على البيئة مسؤولية جماعية تتطلب تضافر الجهود على المستويين المحلي والدولي.
فدعونا لا نأخذ شيئا من هذا العالم سوى ذكرياتنا، ولا نترك فيه شيئا سوى بصمات اقدامنا.
المصادر:
وزارة البيئة العراقية
http://moenv.gov.iq
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) – العراق والتغير المناخي
https://www.undp.org/iraq
البنك الدولي – إدارة المياه في العراق
https://www.worldbank.org/en/country/iraq
منظمة الأغذية والزراعة (FAO) – تقارير التصحر والأمن الغذائي
https://www.fao.org/iraq
مجلة الطبيعة (Nature) – تقارير عن البيئة العراقية 2022
تقارير الأمم المتحدة
نبيل رومايا
22 نيسان 2025
عيد الارض