كرّر محمد شياع السوداني، رئيس الحكومة، حديثه عن مساهمة العراق بـ20 مليون دولار لإعادة إعمار لبنان، فيما يُعتقد أن الرئيس اللبناني جوزيف عون جاء إلى بغداد لمناقشة ديون الوقود العراقية.
وقال السوداني في مؤتمر صحفي مع الرئيس عون، الذي وصل بغداد أمس، إن "العراق يدعم التوافق السياسي الداخلي في لبنان، كما يدين الاعتداءات المستمرة للكيان الصهيوني على الأراضي اللبنانية".
وأوضح رئيس الوزراء أن العراق طرح مبادرة الصندوق العربي، وقد حظيت بتأييد عربي، وساهم بـ20 مليون دولار إلى الصندوق العربي لإعادة إعمار لبنان، مضيفًا: "ندعم سوريا ووحدة أراضيها، كما نسعى لإنقاذ أهلنا في غزة مما يتعرضون له من عدوان وسط صمت دولي مريب".
من جهته، قال الرئيس اللبناني: "مطلوب منا تأكيد سيادة الدولة دون استعداء أحد، ونعمل على حفظ السلم الأهلي دون الانتقاص من سيادة الدولة".
وأضاف أن "السيد السيستاني وضع خارطة طريق للحل في تحقيق مستقبل أفضل"، معربًا عن شكره للعراق على ما يقدمه إلى لبنان.
واستقبل مجلس الوزراء، برئاسة محمد شياع السوداني، أمس الأحد، الرئيس اللبناني جوزيف عون في بغداد، بحسب بيان للحكومة العراقية.
وتقول بعض التسريبات إن زيارة الرئيس اللبناني قد واجهت "اعتراضًا من بعض الفصائل" والاحزاب الشيعية، بسبب مواقف عون الأخيرة حول الحشد الشعبي وعدم حضوره القمة العربية التي جرت مؤخرًا في بغداد.
وبحسب صحف لبنانية، فإن عدة أسباب منعت مشاركة الرئيس عون في القمة التي عُقدت الشهر الماضي.
وقالت إن الرئيس اللبناني كان مرتبطًا بزيارة إلى روما للمشاركة في تنصيب البابا الجديد ليو، ما أدى إلى "تضارب في المواعيد".
وفي نيسان الماضي، انتقدت بغداد تصريحات للرئيس اللبناني قال فيها إن لبنان "لن يستنسخ تجربة الحشد الشعبي في العراق لاستيعاب حزب الله ضمن صفوف الجيش".
ولتخفيف الأزمة، أجرى الرئيس عون اتصالًا برئيس الوزراء محمد شياع السوداني الشهر الماضي.
وشدد الرئيس اللبناني، بحسب بيانات حكومية، على "متانة العلاقات الأخوية اللبنانية-العراقية التي بقيت راسخة ومتجذّرة على مرّ السنوات، لأنها قائمة على الاحترام المتبادل لسيادة كل من لبنان والعراق"، بحسب بيان صادر عن الرئاسة اللبنانية.
وأكد الرئيس عون والسوداني "الرغبة المتبادلة في تعزيز هذه العلاقات وتطويرها في المجالات كافة، وذلك بعيدًا عن كل ما يمكن أن يؤثر على عمقها".
وانتقد العراق تصريحات صحفية للرئيس اللبناني جوزيف عون تناول فيها الحشد الشعبي.
وكان عون قد قال في مقابلة صحفية، إن لبنان "لن يستنسخ تجربة الحشد الشعبي في العراق لاستيعاب حزب الله ضمن صفوف الجيش"، مؤكدًا أن حزب الله لن يكون وحدة مستقلة داخل الجيش، مضيفًا أنه يمكن لعناصره الالتحاق بالجيش والخضوع لدورات استيعاب.
وأبلغ وكيل وزارة الخارجية لشؤون العلاقات الثنائية، محمد بحر العلوم، سفير لبنان علي الحبحاب، خلال استدعائه، عن عدم الارتياح للتصريحات التي أدلى بها عون والتي تناول فيها الحشد الشعبي في العراق.
وأعرب بحر العلوم عن أمله في "أن يُصحح الرئيس اللبناني هذا التصريح، بما يعزز العلاقات الأخوية بين البلدين واحترام خصوصية كل دولة".
ديون وإعمار
وحول زيارة الرئيس اللبناني الحالية إلى بغداد، يُرجَّح، بحسب وسائل إعلام لبنانية، أن عون جاء لمناقشة عدد من الملفات، أبرزها ملف إعمار لبنان وتسديد كلفة استيراد الوقود العراقي، الذي يستورده لبنان بموجب اتفاقية موقّعة مع العراق في عام 2021.
ويُرجَّح، بالمقابل، قيام بغداد بتحويل أموالها المتراكمة في ذمة الحكومة اللبنانية، مقابل دفعات الوقود التي تم إرسالها طوال العامين الماضيين، إلى صندوق للمساهمة في إعمار لبنان.
وفي اجتماع القمة الأخيرة في بغداد، أعلن السوداني عن "إسهام العراق بمبلغ عشرين مليون دولار لإعمار غزة، ومبلغ عشرين مليون دولار لإعمار لبنان الشقيق"، بحسب وصف رئيس الوزراء العراقي.
وكان الاتفاق ينص على وضع أموال الديون العراقية في حساب خاص في مصرف لبنان باسم الحكومة العراقية، وجرى تفاهم أولي بأن تُسدَّد على شكل سلع وخدمات، لكن لبنان لم يلتزم بما هو مطلوب منه، وفق صحف لبنانية.
وبحسب الصحف اللبنانية، فإن الاتصالات استمرت حتى الساعات الأخيرة قبل وصول عون إلى بغداد، في ظل رغبة الرئيس اللبناني بزيارة المرجع الأعلى علي السيستاني.
وكانت وسائل إعلام عراقية قريبة من "الفصائل" قد كشفت، الشهر الماضي، عن مصادر قالت إنها مقربة من المرجعية، بأن "مكتب السيد السيستاني أبلغ الجهات المعنية بعدم وجود نية لاستقبال الرئيس اللبناني، دون أن يُفصح عن الأسباب وراء هذا القرار".
أول زيارة بعد 7 أكتوبر
وفيما يتعلق بأهمية الزيارة، يرى غازي فيصل، وهو دبلوماسي سابق، أنها تعكس طبيعة "التحولات الجذرية" في السياسة الخارجية العراقية لاستيعاب ما حصل من تغيّرات عميقة في المنطقة ولبنان، خصوصًا بعد "حرب 7 أكتوبر".
ويقول فيصل لـ(المدى): "زيارة الرئيس عون إلى بغداد تشكل محطة مهمة في علاقات العراق مع بلدان المنطقة، ولبنان من الدول المهمة بعد التغيّرات الجيوسياسية الجذرية التي حصلت في الشرق الأوسط بعد حرب 7 أكتوبر".
وتابع: "ولبنان شهد تحوّلًا كبيرًا بعد هزيمة حزب الله، والعودة لتنفيذ القرار الأممي 1701 الذي يتعلق بترسيم الحدود والعودة إلى بناء دولة مدنية دستورية، وأن يكون قرار الحرب والسلام بيد مجلس الدفاع اللبناني الأعلى ووزير الدفاع ورئيس الجمهورية، وليس كما كان سابقًا، حيث كان يتحكم حزب الله بقرار الحرب والسلام، إضافة إلى القضايا المالية والأمنية والمطارات، وقرارات اختيار رئيس الجمهورية".
ويشير فيصل، وهو يدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، إلى أن هذه الزيارة "تمهد لانفتاح السياسة الخارجية العراقية على الوضع المختلف تمامًا في لبنان وسوريا واليمن لاحقًا، وعلى صعيد القضية الفلسطينية وغزة، وعودة منظمة التحرير الفلسطينية لتلعب دورًا محوريًا".
وأضاف: "كل هذه المتغيرات يفترض أن تتعامل معها بغداد بمرونة عالية، وبعيدًا عن المقاصد والأهداف التي كانت سائدة قبل 7 أكتوبر".