الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
مياه العراق، وقناني الماء المُعبأة، ودول الجوار
الثلاثاء 10-06-2025
 
نبيل رومايا

يواجه العراق اليوم أزمة مائية متفاقمة ليست فقط بسبب التغيرات المناخية أو سوء الإدارة المحلية، بل أيضاً نتيجة سياسات دول الجوار المائية، التي أصبحت تتحكم بمصادر النهرين العظيمين دجلة والفرات. والأسوأ من ذلك، هو مشهد المفارقة الصارخة الذي نشهده في الأسواق العراقية، حيث تُعرض المياه المُعبأة القادمة من دول قطعت عنه مياه الأنهار.

وعلى مدى العقود الماضية، أقامت تركيا وإيران عشرات السدود والخزانات المائية التي قلّصت تدفق المياه إلى العراق بنسبة تجاوزت 50% في بعض السنوات، وفق تقارير وزارة الموارد المائية العراقية.  فتركيا، من خلال مشروع "غاب" الضخم، أقامت أكثر من 20 سداً على دجلة والفرات، أبرزها سد "إليسو" الذي بدأ بتقليص حصة العراق منذ عام 2018. وأيضا إيران بدورها حوّلت مجرى العديد من الروافد التي كانت تغذي شرق العراق، مثل نهر الكرخة والكارون الى داخل إيران. مما أدى الى أدى انخفاض منسوب المياه وجفاف الأهوار وارتفاع نسبة الملوحة في شط العرب، وأثّر هذا على التنوع البيئي في المنطقة، وكذلك تفاقمت الهجرة الداخلية من المناطق الزراعية إلى المدن، مما زاد من البطالة والفقر وهدد الأمن الغذائي.

وفي مشهد يبدو عبثياً ومؤلماً، أصبحت الأسواق العراقية اليوم تعجّ بمياه الشرب المعبأة المستوردة من دول مثل تركيا وإيران. وتُعرض هذه المياه بأسعار مرتفعة في الوقت الذي يشهد فيه العراق تراجعاً كبيراً في المياه الصالحة للشرب، خاصة في محافظات الجنوب مثل البصرة وذي قار. والمفارقة تكمن في أن هذه الدول نفسها مسؤولة عن تقليص الحصة المائية للعراق.

ويشير تقرير صادر عن "الجهاز المركزي للإحصاء" العراقي إلى أن قيمة واردات العراق من المياه المعبأة تجاوزت 100 مليون دولار سنويا مما يضع علامات استفهام على السيادة المائية والاقتصادية.

وفي ظل تصاعد أزمة المياه في العراق، تبدو المفارقة بين النقص الحاد في مياه الشرب، وبين استيرادها من دول قطعت منابع انهاره، جرحاً في السيادة الوطنية وكرامة شعبه. لقد آن الأوان للعراق أن يعيد رسم خارطة مياهه بسياسة شجاعة تجمع بين الضغط الدبلوماسي والابتكار الداخلي.

وإلى جانب المياه المعبأة، تستورد الأسواق العراقية كميات هائلة من البضائع والمنتجات القادمة من دول الجوار، وعلى رأسها تركيا وإيران، وتشمل المنتجات الغذائية، والأجهزة الكهربائية، والمشروبات، والمنظفات، والمواد الإنشائية، وتغرق هذه السلع السوق العراقي وتسيطر على رفوف المحال التجارية.

ووفق بيانات وزارة التخطيط العراقية، تجاوزت قيمة الواردات السنوية من تركيا وحدها أكثر من 11 مليار دولار، ومن إيران نحو 12 مليار دولار، دون أن تقابل هذه العلاقات التجارية أي التزامات فعلية من تلك الدول لضمان حصة العراق المائية.

إن هذه المعادلة تفتح الباب أمام فكرة "المقايضة الاقتصادية"، أي استخدام العراق لأدواته التجارية كورقة ضغط. وإن بإمكان العراق أن يعيد النظر في اتفاقيات التجارة الحرة، أو يفرض تعرفة جمركية إضافية على سلع الدول التي تحجب عنه المياه، إلى أن تلتزم بسياسات منصفة في تقاسم الموارد المائية.

إن الهدف من هذا النهج ليس التصعيد، بل إعادة التوازن للعلاقات الإقليمية من منظور السيادة والعدالة، خاصة عندما تصبح المياه موردًا نادرًا يهدد وجود ملايين العراقيين؟

10 حزيران 2025

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
اتساع مقاطعة الانتخابات.. هل تؤدي لـ"انهيار" النظام السياسي في العراق؟
تحالف هندي-إسرائيلي يُعيد رسم خريطة الاغتيالات في الشرق الأوسط
ترامب يربح معركة القضاء ويضع خطة لإلغاء "المواطنة بالولادة"
ائتلاف العبادي يعلن عدم مشاركته بالانتخابات ويكتفي بدعم "قوى الدولة"
تفاصيل خطة ترامب لتعويض إيران ببرنامج نووي سلمي بـ30 مليار دولار
الفصائل العراقية الموالية لخامنئي.. وموقف السيستاني من السلاح المنفلت
ويتكوف يكشف: دول عربية "غير متوقعة" ستنضم قريباً إلى اتفاقيات إبراهيم
حقوق الإنسان بالبصرة تطالب بإعلان حالة الطوارئ: نواجه كارثة مائية
مسيرات مجهولة تعطل «رادارات» حصل عليها العراق بشق الأنفس
مطران عراقي: عشنا الحرب وندعو إلى الدبلوماسية والحوار لإيقافها في المنطقة
تقييم استخباراتي أميركي يشير إلى أن الضربات على إيران لم تدمر المواقع النووية
"الفصائل" تفكر بعيداً عن "العواطف" وتمنح واشنطن فرصة ثانية قبل الرد
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة