الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
مسرحية ( أني امك ياشاكر ) 1958 اهم عمل مسرحي سياسي قدم لحد الان في العراق
الأربعاء 31-12-1969
 

لطيف حسن
 
تمتع العراق منذ منتصف عام( 58 19) وحتى نهاية ( 59 19) بوضع ديمقراطي حقيقي لم يتكرر بعدها في تاريخ العراق لحد الان ( مهما اختلفت الان وتباينت التقييمات حول هذه الفتره) ، التي انطلق فيها الشارع من القمقم الذي كتم انفاسه لسنوات طويله ، الى فضاء الحريه فجأة ، وشهد وعي الناس السياسي تطورا مذهلا الى الامام
وخلقت علاقه جديده لم تكن موجوده في السابق بين الأكثريه الساحقه من المواطنيين ، وبين السلطه التي جاء ت بعد ثورة تموز 1958 ، علاقه نوعيه جديده ، من كره ونفورسابق لكل سلطه حاكمه ، الى مشاعر ود وتعاطف حقيقي والتفاف كبير حولها .
وعبرت الجماهير المنتشيه بالنصر عن مشاعرها المؤيده ليس فقط في الخروج بمظاهرات شعبيه ، وأقامة المهرجانات الاحتفاليه منذ فجر يوم 14 تموز ، واعلان أسنادها وحمايتها للثوره بمبادرات شعبيه ، منها انها شكلت في كل مكان لجان للدفاع عن النظام الجمهوري وحفظ مكتسباتها الديمقراطيه ، والقيام بحمله واسعه في المدينه والريف لمحو الاميه والتوعيه الصحيه من اجل السير قدما في طريق التحرر والاستقلال الوطني والتقدم، و الوقوف بوجه مؤامرات القوى الاستعماريه واعوانها ، من الذين ضربت مصالحهم بعمق .
لعب الحزب الشيوعي في هذه الفتره المبكره مباشرة بعد قيام الثوره ، دوره الهام في توجيه الشارع السياسي ، مواصلا قيادته والتأثير على الحركه الديمقراطيه وقيادتها منذ منتصف اربعينات القرن الماضي ، ونشطت منظماته في مجال حماية وتعزيز النظام الجديد ، ولعب دورا مهما في توجيه المنظمات الاجتماعيه والديمقراطيه والمهنيه التي بدأت العمل بالعلن ، نقابات عماليه وطلبه وشبيبه ورابطة المرأه والجمعيات الفلاحيه والمنظمات الابداعيه من صحفيين وادباء وموسيقيين ..الح ، وانتشرت مقرات هذه المنظمات وفروعها في كل المدن والارياف.
في هذه المقرات كانت تتم لقاءات احتفاليه وأمسيات دوريه حاشده ، شهريا و بعضها حتى اسبوعيا ، تقدم فيها ضمن الفقرات المنوعه مسرحيات قصيره من ذات القصل الواحد ، تعدها و تقوم بها فرق من الهواة من اعضائها ، ذات مواضيع عامه سياسيه ، معموله على عجل، لاتخلو من البساطه والسذاجه والتوجه المباشر في الدعايه الخطابيه السياسيه والتحريك، ( بمنظورالوقت الحاضر لتلك الاعمال ) .
الا ان فضل الانتشار الواسع لهذه الفعاليات الفنيه ( التي لم تشكل نهضه مسرحيه حقيقيه بحد ذاتها رغم اتساع انتشارها) انها رسخت فكرة المسرح ذو الدور الجديد بين الناس ، الدور السياسي ، الذي بداءه خريجوا معهد الفنون الجميله الاوائل ، وابتعدوا به عن مسرح التسليه ، حتى انه لم يعد معروفا آنذاك على الساحه ، غير المسرح السياسي المباشر على الطراز الذي كان يقدم لهم ، وكثرت النقاشات الخاصه والعامه بين الناس حول دور الفن ، الفن للفن ام الفن للمجتمع ؟ وانتهى مسرح الهبه الديمقراطيه لهذه المنظمات سريعا فيما بعد ،مع خفوت زخم ثورة 14 تموز ، وانزلاقها في مسالك مغايره ، دون ان تترك اثرا يذكر على الساحه المسرحيه .
واذا مااردنا ان نتناول اعمال الفرق المسرحيه في هذه الفتره الثوريه لابد ان نتوقف على ماقدمته ( فرقة المسرح الحديث) كنموذج لافضل ماقدمه المسرح العراقي السياسي في تلك الفتره والفترات اللآحقه على الاطلاق ، فبعد14تموز 1958 ، أعيد ت ( لفرقة المسرح الحديث) اجازة ممارسة العمل لها التي سبق وان سحبت منها لاسباب سياسيه في عام 1957 ، وبدأت العمل فورا بنص ( اني امك ياشاكر) كتبه يوسف العاني عام 1954 تحت تأثير احداث فتره سياسيه ، تعتبر من اشد الفترات السياسيه احتقانا في العراق ، هي الفترة التي حدثت فيها مجزرة سجني ، بغداد والكوت .
غلاف د ليل المسرحيه عندما قدمت في عام 1958 العاملون في المسرحيه كما وردت في الدليلوحسب معلوماتي ، ان هذه المسرحيه بالنسبه ليوسف العاني هي اكثر مسرحياته التي كتبها قربا الى نفسه ،واكثر كل مسرحياته صدقا وواقعيه في تسجيل الاحداث التراجيديه لفتره سياسيه مرت على العراق ، مكتوبه بكثير من العاطفه والحب والتأثر ، كانت المخطوطه تلازمه دائما ، اعتاد ان يحملها معه في حقيبته اليدويه اينما يتنقل ، يعيد قرائتها لوحده في فترات الاحباط واليأس ، يراجعها، ويقرأها على المقربين منه في جلسات شجن ‘ تدمع عينيه وعيون مستمعيه انفعالا باستعادة اجوائها، ولم يخطر على باله انها ستتحقق في يوم من الايام على المسرح في ظل الاوضاع السياسيه التي كانت .
ان اهمية ( اني امك ياشاكر ) في تاريخ المسرح العراقي ، لاتكمن في انها اول عمل مسرحي للفرق المسرحيه التي عاودت نشاطها ، بعد 14 تموز 1958 فحسب ، بل لانها جائت متناغمه تماما مع المرحله التي قدمت فيها المسرحيه ومنسجمه مع النفس الثوري للشارع ، بصدق وبدون افتعال ، فأحداثها قريبه جدا ، واجوائها كانت طازجه في الذاكره."الاعلان الذي كانت تنشره الفرقه على صفحات دليل المسرحيه ترجو فيه الجمهور ان يلتزموا الهدوء عند عرض المسرحيه ونسجل لصالح يوسف العاني، ألاهمية التي اعطاها للدورالمحرك الذي يلعبه الفن في العمل الثوري في مجال السينما والمسرح .
فكما عكس يوسف العاني مخاض ثوره 14 تموز في فيلم ( سعيد افتدي 1957 ) ، تغني بالحماسه الثوريه لام شجاعه على اعتاب الثوره فيما بعد في مسرحية ( اني امك ياشاكر 1958) .
كان من المألوف ان تنتشر في تلك الحقبه القاب التكريم التي يطلقها الناس على المبدعين الذين لعبوا دورا كبيرا في التوعية الثوريه للناس ، ، على غرار لقب زعيم الشعب ، وشاعر الشعب ، وفنانة الشعب ، ولاغرابه ان يحصل يوسف العاني في تلك الفتره من الناس والمعجبين به على لقب ( فنان الشعب ) .
وتواصل الفرقه نشاطها وتقدم في نفس حفلة ( اني امك ياشاكر ) (المقاتلون) لجيان ، اخراج سامي عبدالحميد تناولت فيها القضيه الجزائريه الملتهبه آنذاك، وبعدها ( اهلابالحياة) اخراج عبدالواحد طه ، يتابع العاني وضع افراد عائله عراقيه وتحولاتها في العهد الثوري الجديد و( رساله مفقوده ) لكارجياله ، اخراج بهنام ميخائيل و( مسمار جحا) واعاده لمسرحيات قديمه ، وكلها كانت تعالج السياسه من زوايا مختلفه .
لكنها جميعا ، رغم النجاح الجماهيري الذي احرزته هذه العروض ، لم تصل في نجاحها وتفاعل الجمهور الصادق بها كما وصلت اليه ( آني امك ياشاكر )وانطلقت الفرق المسرحيه القديمه في نفس الوقت تقريبا تعمل , وبنفس هاجس ان تقدم مسرحا يليق بجلال المرحله ( الفرقه الشعبيه للتمثيل برآسة جعفر السعدي ، وفرقة المسرح الحر برآسة جاسم العبودي ، فرقة الزبانيه برآسة حميد المحل و فرقة الشعله للتمثيل برئاسة ابراهيم الخطيب ). لم يكونوا متهيئين للعمل في فضاء مابعد الثوره ، فالثوره فاجأتهم ، فأعادت بعض الفرق اعمالها القديمه على عجل ، لتتنفس على مهل وتفكر ماذا تعمل؟ واخرى لجأت الى المسرحيات العالميه المتوفره تختار منها مايناسب ، وقسم من المخرجين بدأ يؤلف ويعد للمسرح من المجموعات القصصيه لبعض المؤلفين العراقيين، وهكذا انشغل الجميع ، وحركتهم الثوره ليقدموا اعمالا لم يكن مسموحا لهم ان يفدموها في السابق .
وتشأت فرق جديده اوفرق قديمه بأسماء جديده ، (كفرقة المسرح الجمهوري برآسة يحيى فائق ، وفرقة المسرح العراقي برآسة شكري العقيدي ، وفرقة شباب الطليعه برئاسة بدري حسون فريد ، وفرقة الفنون المسرحيه برآسة مهند الانصاري ، وفرقة 14 تموز برئاسة اسعد عبد الرزاق ، وفرقة اتحاد الفنانين من سعدون العبيدي و طه سالم وعبد الوهاب الدايني وخالد سعيد وسامي تيله واخرين وفرقة السلام للتمثيل التي لم تقدم أي عمل ).
وقدمت هذه الفرق اعمالا هامه ، ايضا تحت وطأة وضع وظروف غير مشجعه كما كان الحال عليه في العهد الملكي ، وكانت محبطه في ان وضع المسرح بصوره عامه لم يتغير نحو الاحسن ، فالمسارح الجيده مازالت شحيحه ، وايجاراتها عاليه ، والدعم الحكومي يكاد يكون معدوما ، والرقابة على النصوص بقيت على حالها ، ومايزال يعامل المسرح بأعتباره ملهى تجبى منه ضرائب تكاد تصل الى 90% من ثمن التذكره ، وكان يتطلب من المسرحين الكثير من الجهد والنضال لتصحيح اوضاعهم .
تلونت هذه الفرق المسرحيه بالوان الاطراف السياسيه التي بدأت تتجاذب فيما بينها في خضم صراعات وانقسامات حدثت بين الناس اخذت تتعمق تدريجيا ، فبعد ان كانت جميع هذه الفرق في البدايه توجهها ديمقراطي يساري ، تخلى البعض القليل ( فرقتين بالتحديد ) منها فيما بعد عن هذا النهج ، عند انقسام الشارع العراقي بعمق الى شقين ، شق قومي يضم البعثيين والناصريين وقوى محافظه معاديه للتحولات الديمفراطيه تنتمي للعهد السابق ، دخل في صراع مع الشق الاخر الذي يضم التقدميين و الديمقراطيين بكافة تلاوينهم من الشيوعيين والديمقراطيين والوطنيين والقاسميين .
ان اكثرية الفرق المسرحيه العامله ذات التاريخ العريق ، بقيت تقدميه منحازه في توجهاتها الفكريه الى جانب التيار الديمقراطي ، نذكر منها ( فرقة المسرح الحديث والفرقه الشعبيه للتمثيل وفرقة الشعله للتمثيل وفرقة شباب الطليعه وفرقة الفنون الشعبيه وفرقة اتحاد الفنانيين) .
وحتى فرقة المسرح الحر التي كانت قد حسبت على جهة التيار القوميه ، لان الميول السياسيه لجاسم العبودي كانت قوميه ومبهمه شيئا ما، الا ان نتاجات الفرقه ظلت رصينه وبعيده في هذه الفتره عن الصراعات واظهار الميول لهذا الطرف اوذاك في اعمالها القليله التي قدمتها من الادب العالمي كمسرحية ( ثمن الحريه ) لعمانؤيل روبلس.
اما فرقة 14 تموز فقد فضلت ان تنتهج منذ تأسيسها ، تهج و توجهات السلطه وتذبذبت من اقصى اليسار الى اقصى اليمين ، وتحولت تدريجيا الى مواقع القوميين عندما ثقلت كفتهم ، لم تقدم للمسرح شيئا ذي بال ولجأت الى التلفزيون والاذاعه في تقديم التراث ، تاركه العمل في المسرح تقريبا .
يجدر بالذكر ، انه بالرغم من ان هذه الانقسامات التي حدثت بسبب الانتماءات والميول السياسيه في المجتمع العراقي عموما ، واحدثت قطيعه نهائيه فيما بين الاصدقاء القدامى ، الا انها ظلت العلاقات المهنيه في الوسط المسرحي في حاله سليمه ، والصداقات الشخصيه الحميمه أستمرت فيما بين الفنانيين الذين بدأوا يختلفون ويتمايزون عن بعض فكريا بعد ثورة 14 تموز، لكنهم كانوا حريصون على ان يلتقوا مع بعض يوميا في فرقه واحده ويشتغلون مع بعض في العمل الواحد .
وبعد ان استقر الشارع ، وهدأت رياح الثوره واصل معهد الفنون الجميله تقليده في المشاركه بالمواسم المسرحيه بعمل او عملين ، وشهدت هذه الفتره اعمالا هامه لاتنسى ، ( ماوراء الافق) لأونيل اخراج بهنام ميخائيل ، و(عطيل ) لشكسبير اخراج جاسم العبودي ، و( الاشباح) لابسن اخراج بهنام ميخائيل و(القلب الارعن ) لجون باتريك اخراج سعدون العبيدي من الاشياء الايجابيه التي تسجل لهذه الفتره من تاريخ المسرح العراقي ، ودفعت بالحركه المسرحيه الى الامام فيما بعد، هو دخول المرأه الى معهد الفنون الجميله لدراسة المسرح ، بدءا من آزادوهي صاموئيل عام 1959 اول طالبه في المعهد ، الى توالي الاخريات من بعدها على دخوله ، سميه داوود ، هناء عبدالقادر ، فوزيه الشندي ، فوزيه عارف والقائمه تطول .

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
بيئة كوردستان: انبعاثات "النشاطات البشرية" أكبر عوامل التغير المناخي
"ليس هناك خطأ".. منظمة الصحة العالمية تحسم عدد القتلى في غزة
أخطر مهربي البشر.. سلطات كردستان تعلن اعتقال "العقرب"
تعليق أمريكي على تخريب "مساعدات غزة"
مصر تلغي اجتماعاً مع مسؤولين عسكريين اسرائيليين
تهنئة من الاتحاد الديمقراطي العراقي
المعتقلون الفلسطينيون.. أجساد عارية وعيون معصوبة وقطع غيار بشرية
إضاءة ومساهمة في مؤتمر نسائي هام بالسليمانية
تصويت بغالبية كبرى في الجمعية العامة تأييدا لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة
صراع الممرات: طريق التنمية من منظور تاريخي وباب التعاون بين بغداد وانقرة
"النجباء" توعدت بالانتقام وفصائل عراقية تقصف إيلات
اللجنة الثقافية في الاتحاد الديمقراطي في كاليفورنيا تضيّف الدكتور سلام يوسف في (قراءات في ملحمة كلكامش)
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة