الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
ويبق السياب رونق الشعر الذي لايموت.
الأحد 27-12-2015
 

من قاع قبري أصيح

حتى تئن القبور...

ربما كان الشاعر أعجز الناس عن تعريف الشعر، ونستطيع أن نقول انه لغة يغلب فيها المجاز، وهو يعبر عن العواطف ثم عن الأفكار ، وأن يكون موزوناُ. وأنا ضد الشعرالذي بدون وزن. هكذا وصف بدر حياة الشعر والشاعرفي حوارية معه نشرت بعنوان(من حوار مع السياب ).

منه تعلم شعراء كثيرون مبدأ التناسق بين اللغة.

اتخذ الشعر الحر قبل البدايات الفعلية له في الخمسينيات مسميات وأنماطا مختلفة كانت مدار بحث من قبل النقاد والباحثين ، فقد أطلقوا عليه في إرهاصاته الأولى منذ الثلاثينيات اسم الشعر المرسل والنظم المرسل المنطلق والشعر الجديد وشعر التفعيلة أما بعد الخمسينيات فقد أطلق عليه مسمى الشعر الحر ومع أنَّ شعراء التحديث في العراق في مرحلة الريادة : بدر شاكر السياب ، ونازك الملائكة ، وبلند الحيدري ، وعبد الوهاب البيّاتي كانوا اسرع استجابة من غيرهم لضرورة التغيير وإحداث الجديد والبحث عن شكل شعريٍّ جديد وكان السياب رائدا في ذالك.لان  محاولة بدر كانت هي الاعلى شأناً ، لانها اضطلعت بتأسيس الشكل الشعري الجديد إيقاعيّا ، فضلا عمّا كان بعدئذٍ من دوره الرياديّ في تقديم النصِّ الأنموذج والذي  ابتدأ الشعر  في عينه، كنهار، وصار الشعر بوجودها معه يأتي متسللاً من شباكها، برموزه وأسراره، لذا أعطى نفسه للشعر وجعل منه مروضاً لحروفه وأساطيره ورؤيته للمستقبل،

حياة السياب ...

كان بدر شاكر السياب ضئيلاً، ناحل الجسم، قصير القامة. وصفه الناقد الدكتور  إحسان عباس بقوله:

غلام ضاوٍ نحيل كأنه قصبة، رُكب رأسه المستدير، كأنه حبة الحنظل، على عنقٍ دقيقة تميل إلى الطول، وعلى جانبي الرأس أُذنان كبيرتان، وتحت الجبهة المستعرضة التي تنزل في تحدّب متدرّج أنف كبير يصرفك عن تأمله أو تأمل العينين الصغيرتين العاديتين على جانبيه فم واسع، تبرز الضبة العليا منه ومن فوقها الشفة بروزاً يجعل انطباق الشفتين فوق صفَّي الأسنان كأنه عمل اقتساري وتنظر مرة أخرى إلى هذا الوجه الحنطي، فتدرك أن هناك اضطراباً في التناسب بين الفك السفلي الذي يقف عند الذقن كأنه بقيّة علامة استفهام مبتورة وبين الوجنتين الناتئتين وكأنهما بدايتان لعلامتي استفهام أُخرَيَيْن قد انزلقتا من موضعيهما الطبيعيَّيْن

هذا من الناحية الخَلقيّة. أما من الناحية الخُلقيّة فبدر شاكر السيّاب رجل الحرمان الذي أراد الانتقام لحرمانه من الناس والزمان، فانضوى إلى الشيوعية لا عن عقيدة فلسفية بل عن نقمة اجتماعية، وراح يطلب فيها ما لم يجد في بيئته من طمأنينة حياتية، كما مال إلى الشرب والمجون يطلب فيهما الهرب من مرارة الحياة والذهول عن متاعبها؛ وكان إلى ذلك مفرط الحساسية يشعر بالغربة ولا يجد له في المجتمع مُستَقَراً، وينظر إلى الوجود من خلال غربته النفسيّة ومن خلال فرديّته التي كانت تحول دون اندماجه في المجتمعات التي عاش فيها؛ وقد حاول أن يجد في المرأة ما يزيل من نفسه شبح الغربة فخاب أمله ونقم على المرأة ورأى أنها تقود الرجل إلى الهاوية؛ وكان من أشدّ الناس طموحاً، ومن أشدّهم ميلاً إلى الثورة السياسية والاجتماعية، ولكن تقلُّبات الأحوال والأيّام وصراعات الشعوب والحكّام ملأت نفسه اشمئزازاً، أعانه على ذلك ميل في أعماقه إلى التشاؤم، وعُقد نفسية وأمراض ونكبات زادته نقمةً وحدّةً وهياجاً.

تميزت قصيدة الشعر الحر بخصائص أسلوبية متعددة،

مرت  علينا قبل ايام الذكرى الواحد والخمسون  لغياب أحد رواد الشعر العربي الحديث، الشاعر الكبير بدر شاكر السياب. وبهذه المناسبة تحتفي (سكاي برس)ب استحضار عبقرية السيّاب الفذه وشاعريته ونقاط توهجه .لانه احد قامات الحداثة الشعرية العربية ورائدا من روادها، ولذا ينبغي علينا قراءة منجزه الشعري، قراءة ثقافية وسياسية. وسيظل السياب أستاذاً كبيراً في مدرسة الشعر العربي المعاصر، ولسوف تبقى قراءة وتأمل متونه الشعرية الفريدة بالغة الخصوبة والتنوع، من أهم ما يحتاجه كل شاعر تفعيلي جديد، هي التي سيظل نُسغها الذهبي متدفقاً لا ينضب.

هذه المقالة بذكرى هذا الشاعر العظيم، مذكرة ببعض القضايا التي لم يولها النقد العربي العناية اللازمة

بدر شاكر السياب (1926 – 1964) قمة إبداعية باذخة من قمم الإبداع الأبهى في الشعر العربي قديمه وحديثه. لقد شاء التاريخ أن تكون المنجزات الإبداعية الفذة لهذا الشاعر العظيم انعطافة نوعية حاسمة في مسيرة الشعر العربي، هي التي كان لها الفضل الأوفر، والمساهمة العظمى الخلاقة في تجديد هذا الشعر وتحديثه رؤية وأداء.

وفي صباه عشق الشاعر واحب ونظم في فضاءات حبه الأصيل قصائد غزلية رائعة كقصيدته(أحبني) وفيها يقول:

وما من عادتي نكران ماضي الذي كانا-----ولكن كل من أحببت قبلك ما أحبوني

ولاعطفوا علي، عشقت سبعاً، ------كن أحيناًترف شعورهن علي تحملني إلى الصين

سفائن من عطورنهودهن،-------- أغوص في بحر من الأوهام والوجد

فألتقط المحار أظن منه الدر،ثم تظلني وحدي

في قول للسياب قال فيه: أشعر أني عشت طويلاً، رافقت جلجامش في مغامراته، وصاحبت عوليس في ضياعه، وعشت التاريخ العربي كله. ألا يكفي هذا؟. أي أن السياب يقول أنه خاض بخياله الشعري لجج بحارالأساطير القيمة، واستطاع أن يعيد الماضي ويحيي التراث حياً تشاهده الأعين وتلذ له الأذن. ورغم أن السياب توفي وهو له من العمر مايزيد على التاسعة والثلاثين عاما، ألا انه ترك لنا ثروة شعرية ثرة وقد عز نظيرها.

لأنّي غريب .

   لأنّ العراق الحبيب بعيد

      و أني هنا في اشتياق إليه إليها أنادي :

           عراق فيرجع لي من ندائي نحيب.

لقد عاش السياب فترة من أشد الفترات السياسية والاجتماعية العراقية حراجة، وهو يعيش عصرين متجاورين أحدهما النظام الملكي الذي هجاه السياب في قصائد كثيرة، وثانيهما النظام الجمهوري الذي كان ينتظره والذي سبب له أزمة عميقة في الانتماء وفي التباس وجهة نظره السياسية التي كانت وراء تقلبات مواقفه السياسية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. وقد سبب ذلك عزلة الشاعر عن أصدقائه اليساريين بشكل خاص، وانتقاله بين كتل سياسية قومية متطرفة.

لكن بقي حبه الازلي نابظا في روحه.

وبسبب حبه العاطفي فقد امتازت حياة الشاعر الغزلية باللهاث المتواصل وراء الحب، ينتقل من فتاة إلى أخرى، وكلهن يتركنه، فواحدة تكبره سناً، وأخرى تفضل الزواج بثري، وثالثة تموت، ورابعة تستقبحه فلا تتزوجه، فلا يلاقي في الحب إلا الخيبة والإخفاق.

كما لعبت العواطف دوراً في حياة السياب  فيأسه في إيجادالحب وافتقاره للوسامة وعدم مقابلته لفتاة يحبها وتحبه

كل هذا ترك في نفسيته شعوراً بالظلم والمرارة جعله يخرج انفعالاته من خلال الشعر،

أحب السياب رفيقته في النضال الشيوعية لميعة عباس ولكنها أبت أن تتزوجه لدمامة خلقه او اختلاف الدين لاندري، ومنذ ذلك اليوم بدأ يبتعد شيئاً فشيئاً عن الشيوعيين ولانعلم مدى صحة ذلك ولكنه تذكرها ذات يوم وهو في مدينة لندن مع صوت زمور سيارة فقال:

ذكرتك يا لميعة والدجى ثلج وأمطار

ولندن نام فيها الليل، مات تنفس النور

ذكرت شحوب وجهك حين زمر بوق سيارة

ليؤذن بالوداع، ذكرت لذع الدمع في خدي

ورعشة خافقي وأنين روحي يملأ الحارة

بأصداء المقابر، والدجى ثلج وأمطار

وقد أحب السياب في صباه راعية ربما هي حبيبته لبيبة ذاتها صاحبة المنديل الأحمر وقد تذكرها الشاعر وهو في المدينة بقوله:

تذكرت سرب الراعيات على الربا وبين المراعي في الرياض الزواهر

 عرفه السياب، سبع فتيات عشقهن، ولكنه لم يجد منهن إلا الأوهام، حتى إذا التفت حوله لم يجد سوى جدائل النخلة الفرعاء تظله وتحنو عليه.

عاش السياب حياة قصيرة قاسية امتدت لستة وثلاثين عاما، قضى أيامها الأخيرة مشلولا وعاجزا عن أي شيء في مدينة الأدب والشعر والتراث. كان محروم من حنان أمه، فانعكس ذلك على شخصيته، حيث أراد أن يحرم الجميع مما حرم منه هو، فازدادت نقمته على مجتمعه، وزاد تشاؤمه، وصار يسلك دروب متعرجة؛ ليصب غضبه عليها من خلال شعره، وكثيراً ما تمنى الموت وتساءل عن مصيره.

وكان السياب يتوسل باريه ان يخفف الامه ومرضه فيقول له شاكراً

لك الحمد مهما استطال البلاء ، ومهما استبدّ الألم !

..لك الحمد، إن الرزايا عطاء

وان المصيبات بعض الكرم !

…ألم تُعطني أنت هذا الظلام

وأعطيتني أنت هذا السّحر !

فهل تشكر الأرض قطر المطر ، وتغضب إن لم يجدها الغمام ..

شهور طوال وهذي الجراح .. تمزّق جنبي مثل المدى !

..ولا يهدأ الداء عند الصباح

ولا يمسح اللّيل أو جاعه بالردى ..

ولكنّ أيّوب إن صاح صاح:

وفي العِرَاقِ جُوعْ

وينثر الغلالَ فيه مَوْسِمُ الحصادْ

لتشبعَ الغِرْبَان والجراد

وتطحن الشّوان والحَجَر

رِحَىً تَدُورُ في الحقول … حولها بَشَرْ

مَطَر ...

مَطَر ...

مَطَر ...

يعد بدر شاكر السياب من الذين وظفوا المطر ليكون رمزا واسعاً على حمل هواجس النفس الإنسانية وعرض همومه الفردية منطلقاً منها إلى عدد من الهموم الاجتماعية مثل الفقر والجوع على الرغم من وجود الخير الكثير في بلده ، فقد حوّل المطر إلى قيمة ثرية غنية بالدلالات .

ولعل المحور الرئيسي الذي تدور حوله هذه الأبيات من القصيدة هو قضية العراق والاستعمار الذي طالما حاول النيل منها ولا عجب أن تتفق هذه الرؤية مع الواقع الحالي الذي يعيشه العراق فقد استبد فيه الطامعين وحولوه إلى ساحة قتال لهدف واحد وهو الثروات العراقية التي تزخر بها .

نشرت له مجلة الآداب في يونيو من العام 1954 قصيدة (أنشودة المطر )تصدرتها كلمة قصيرة جاء فيها ( من وحي أيام الضياع في الكويت على الخليج العربي..) .

عَيْنَاكِ غَابَتَا نَخِيلٍ سَاعَةَ السَّحَرْ ،

أو شُرْفَتَانِ رَاحَ يَنْأَى عَنْهُمَا القَمَرْ .

عَيْنَاكِ حِينَ تَبْسُمَانِ تُورِقُ الكُرُومْ

وَتَرْقُصُ الأَضْوَاءُ ...كَالأَقْمَارِ في نَهَرْ

يَرُجُّهُ المِجْدَافُ وَهْنَاً سَاعَةَ السَّحَرْ

كَأَنَّمَا تَنْبُضُ في غَوْرَيْهِمَا ، النُّجُومْ ...

.كتب الاستاذ الدكتور عبد الحليم المدني عن السياب وانشودة المطر 000اللوعة الى اخرها.جاء فيها

تؤرخ “أنشودة المطر” مرحلة من مراحل تصدع الفكر العربي وانكساره وهي حياة الشاعر نفسه وحياة الإنسان العربي بتناقضاته وأزماته المريرة … وقد استخدم السياب الرمز. والرمز تطور في الضمير (عيناكِ) بما فيه من حركة واضطراب توحيان بالحياة والتوق إلى الأم الحقيقية التي ماتت عندما كان الشاعر صغيراً… انه التطور الطبيعي من الحياة إلى الموت؛ فالخط الأول للقصيدة هو التجدد.. الولادة.. الخصب وهو الضياء والميلاد. فهذه التحولات النفسية واستخدامه للرموز أثارت في نفسه حزناً مأساوياً يؤكد تلازم الإنسان بالكفاح من أجل حياة أفضل

كلما أبتل جسد البصرة بأولى قطرات المطر، ينهض الشاعر السياب في ذاكرة البصريين لينشد قصيدته الأثيرة عن المطر، وينشد البصريون والشط وغابات النخل ويرددون مع شاعرهم . مطر .. مطر ..مطر، فيبتل المطر بشعر السياب، ويزدهر قبر السياب بقطرات المطر.

يقول الشاعر علي السبتي الذي رافق جثمان الشاعر إلى مدينته البصرة، بعد وفاته في المستشفى ( الأميري ) في دولة الكويت في 24/ كانون الأول ديسمبر/1964”.

كان ذلك اليوم ممطراً، فقد رافقنا المطر من الكويت حتى تشيع جثمان بدر إلى مثواه الأخير في مقبرة الحسن البصري بمدينة الزبير”.

وقال عبد الحميد السياب أبن عم الشاعر "كذلك كان المطر حاضرا لحظة وضع تمثاله على قاعدته في البقعة التي تقع في مدخل شارع الكورنيش على ضفاف شط العرب، وهو المكان الذي شيدت فيه بنايه مقهى ( البدر) والذي كان الشاعر السياب شغوفاً بارتيادها." مرّ نحو (43) عاماً على وفاة الشاعر العراقي بدر شاكر السياب الذي توفي في أوج شبابه. ولم يتجاوز بعد الثامنة والثلاثين من عمره ، وهكذا تناسل الزمن وصمد اثر السياب الشعري العابق بروائح المطر.

في مقهى البدر التي تقع قريبا من تمثاله، التقى السياب بعض أدباء البصرة وشعرائها في هذه المقهى الضاجة بالزبائن الذين يمثلون مختلف توجهات الشارع البصري آنذاك...

عندما داهمته هواجس الموت من جديد، فكتب يقول:

أهكذا السنون تذهب

أهكذا الحياة تنضب؟

أحسّ أننى أذوب، أتعب،

أموت كالشجر..

ويستفحل هاجس الموت بسبب تفاقم المرض، فيكتب السياب هذه الأبيات الحزينة التى فيها يقول:

لا أكتب قبل موتي، أو جنوني، أو ضمور يدى من الأعياء خوالج كل نفسي، ذكرياتي، كل أحلامي

وأوهامي

وأسفح نفسى الثكلى على الورق

يقرأها شقيّ بعد أعوام وأعوام

ليعلم أن أشقى منه عاش بهذه الدنيا وآلى رغم وحش الداء والآلام والأرق

ورغم الفقر أن يحيا.

كانت السنوات الثلاث الأخيرة من حياته فترة رهيبة عرف فيها صراع الحياة مع الموت. لقد زجّ بجسمه النحيل وعظامه الرقاق إلي حلبة هذا الصراع الذي جمع معاني الدنيا في سرير ضيق حيث راح الوهن وهو يتفجرعزيمة ورؤي وحبا، يقارع الجسم المتهافت المتداعي، وجه الموت يحملق به كل يوم فيصدّه الشاعر عنه بسيف من الكلمة... بالكلمة عاش بدر صراعه، كما يجب ان يعيش الشاعر، ولعل ذلك لبدر، كان الرمز الأخير والأمضّ، للصراع بين الحياة والموت الذي عاشه طوال عمره القصير علي مستوي شخصه ومستوي دنياه معاً. فهو قبل ذلك إذ كان جسده الضامر منتصبا، خفيفا، منطلقا يكاد لا يلقي علي الأرض ظلا لشدة شفافيته..

كان السيّاب شاعراً فذّاً اصطبغ شعره بصبغة الأطوار التي تقلّبت فيها حياته المعاشيّة والاجتماعية والفكريّة. عصَره الألم في شبابه، وشعر بالغربة القاسية وهو في بيت أبيه، كما شعر بها وهو في بيئته؛ ولم يجد قلبه الشديد الحساسيّة مَن يخرجه من أتون آلامه، ولم يجد في طريقه فتاة أحلامه، تلك الفتاة التي يسكب روحه في روحها، فتنتشله من أحلامه وأوهامه، وتُغرقه في عالمٍ من الحنان والرقة؛ ورافق ذلك كله تتبّع فكريّ وعاطفي لحركة الرومانطيقية التي شاعت في أوربّة والتي ازدهرت في بعض الأقطار العربيّة ولاسيّما لبنان المقيم والمهاجر، فاندفع في تلك الحركة، وراح في قصائده الأولى يداعب شجونه في جوّ من الضبابية اليائسة، وفي انحطام لا يخلو من نبضات ثورية حالمة، وراح يناجي الموت، وينظر إلى مصيرة نظرة اللوعة والإرنان، ويهوي في لجة عالمه المنهار

لا تزيديه لوعة فهو يلقاك .... لينسى لديك بعض اكتئابه

قربي مقلتيك من قلبي الذاوي .... تري في الشحوب سر انتحابه

وانظري في غضونه صرخة اليأس .... وأشباح غابر من شبابه

لهفة تسرق الخطى بين جفنيه .... وحلم يموت في أهدابه      

تلك كانت المرحلة الأولى من مراحل شعر السيّاب؛ أما المرحلة الثانية فهي مرحلة الخروج من الذاتية الفرديّة إلى الذاتية الاجتماعية، وقد انطلق الشاعر، في نزعته الاشتراكيّة ورومنطيقيّته الحادة، يتحدث عن آلام المجتمع وأوصاب الشعب، ويُهاجم الظلم في أصحابه، ويُصوّره في (حفار القبور) مارداً جشعاً يرقص على جثث الموتى ويتغذى جشعه بأرواحهم ويقول

واخيبتاه! ألن أعيش بغير موت الآخرين؟

والطيبات: من الرغيف، إلى النساء، إلى البنين

هي منة الموتى عليّ. فكيف أشفق بالأنام!؟

فلتمطرنهم القذائف بالحديد و بالضرام      

وبعد هذه المرحلة نرى السيّاب ينزع نزعة (الواقعية الجديدة) - على حدّ قوله - ويعمل على تحليل المجتمع تحليلاً عميقاً، وعلى تصويره تصويراً واقعيّاً فيه من الحقائق الحياتية ما يستطيع الشاعر ادراكه بنفاذ بصره وقوة انطباعيته.

وقبل أن تنطفئ روحه فى المستشفى الامبرى بالكويت وذلك فى الرابع والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول 1964، تذكر السياب أمه وقد أحسّ أن نجاته من المرض أصبحت مستحيلة، فكتب يقول:

فيا قبرها افتح ذراعيك..

إنى لآت بلا ضجة، دون آه!.

مات الشاعر بدر شاكر السياب المرهف الإحساس فقيراً معدماً في المستشفى الأميري في دولة الكويت، وعاد جثمانه إلى البصرة في يوم من أيام الشتاء الباردة الممطرة. وقد شيعه عدد قليل من أهله وأبناء جلدته وبذلك انطفأت شعلة إبداعه، لكنه بقى حيا في ذاكرة الشعر وقلوب العراقيين عموما والبصريين تحديدا، الذين يترقبون مع ذكرى رحيله من كل عام موعدا للمطر

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
تهنئة من الاتحاد الديمقراطي العراقي
المعتقلون الفلسطينيون.. أجساد عارية وعيون معصوبة وقطع غيار بشرية
إضاءة ومساهمة في مؤتمر نسائي هام بالسليمانية
تصويت بغالبية كبرى في الجمعية العامة تأييدا لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة
صراع الممرات: طريق التنمية من منظور تاريخي وباب التعاون بين بغداد وانقرة
"النجباء" توعدت بالانتقام وفصائل عراقية تقصف إيلات
اللجنة الثقافية في الاتحاد الديمقراطي في كاليفورنيا تضيّف الدكتور سلام يوسف في (قراءات في ملحمة كلكامش)
نصف عام و كرسي رئيس البرلمان خالٍ.. من سيظفر بـ المطرقة ؟
بايدن يوجّه أقوى رسالة إلى إسرائيل
صحيفة إسرائيلية تصف تأخير شحنات الأسلحة الأمريكية لإسرائيل بـ"الضربة" وتؤكد: القادمة أكثر إيلاماً
الشرطة تفكك مخيم اعتصام موالٍ للفلسطينيين بجامعة جورج واشنطن
خلال يوم.. 7 مجازر إسرائيلية توقع أكثر من 250 ضحية في غزة
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة