الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
رحيل كاتب الإمبراطور
الأربعاء 31-12-1969
 
كتب جاسم المطير :
كان أسمه متداولا ، أكثر من مرة ، كمرشح لنيل جائزة نوبل لكنه رحل إلى الأبدية يوم 25 يناير 2007  قبل أن ينال هذا اللقب .
انه ريتشارد كابوشينسكي المولود في بولونيا عام 1932 الذي اشتهر عالميا انه كثيف الإنتاج الأدبي وكثير الرحلات الصحفية وقد بدأت أعماله عبر سياقات صحفية كثيرة   سواء بمقالاته التي يتابع بها حركة حاملات الطائرات الأمريكية في بحار العالم  أو عبر كتاباته عن الأزمات السياسية في مضايق العالم البحرية او في الغابات او في دفاعه عن مواطنين هنا او هناك  يطالبون حكامهم بالتنشئة الديمقراطية . ظلت كتاباته  متطورة ومحافظة على التنوع القائم على التجريب الأدبي والصحافي فصار مؤثرا على قرائه باعتباره كاتبا يمزج بين خبرته العامة وبين شهادته العينية المباشرة والخاصة لكثير من أحداث تاريخية مرت على بلدان العالم التي تحولت إلى مجموعة من الكتب ذات القيمة المتعددة الأغراض في الثقافة والسياسة على حد سواء  فاحتلت مكانة عالمية مرموقة  إذ ترجمت إلى لغات عالمية كثيرة وغدا العديد من مؤلفاته مصدرا مهما من المصادر المعلوماتية الحية  التي قدمها صحافي حاملة الكثير من المفاهيم السياسية الأساسية .
أهم ميزة من ميزات كابوشينسكي انه مارس ذاته الصحفية بشكل راق من أشكال الإبداع الصحفي مستفيدا من مدارس التجارب الصحفية كافة وتطبيقاتها الناجحة في ترسيخ العلاقة بين الكاتب وصحيفته ، بين الكاتب وقرائه ،  وهي تجارب تعتمد على تفاصيل لا يكتنفها غموض السرد بل تعتمد على الأسلوب الاختزالي الصارم الذي يعني بتوطيد العلاقة الملموسة بين الجريدة والحقيقة،  وبين الجريدة والواقع السياسي السلوكي لأصحاب القرار في الدولة والمجتمع . 
كان في كل كتبه وكتاباته  مؤازرا لمستقبل الديمقراطية في حركة الشعوب  ،  كما يشير الكثير من الصحفيين العالميين .  كنت قد قرأت له  كتابا واحدا هو "  الإمبراطور "  فوجدت صحة التقييم العالمي لنشاط هذا الصحفي البولوني الذي كان يفرض سلطته الصحفية والفكرية على الموضوع الذي يتناوله إضافة إلى قدرته في أن يكون وسيطا ممتعا وحياديا وواعيا ً بين القارئ والأحداث التي يضعها في منظار تحليلاته  .. ففي كل فصل من فصول الأحداث التي يتناولها تجده متسلحا بترسانة من الأفكار السياسية ومن اللغة الأدبية السلسة .. ومن الصعب جدا على القارئ أو المتتبع أن يجد أشياء عديمة الأهمية في كتاباته أو استطراداته  مما جعله صحفيا فعالا أو رجلا ايجابيا في فعل الكتابة الصحفية مما جعله مالكا لأسلوب صحفي لا يفتت تركيز أذهان القراء عن قضية مركزية معينة تتحرك في هذا اليوم أو ذاك مساعدا قراءه في النمو السياسي وفي الإمداد الفكري .  وقد عرف عنه انه من نوع  الصحفيين الذين يعرفون كيفية الدخول إلى صلب الموضوع الذي يتابعه ويتناوله من دون ان يحاول فرض وصايته على القارئ محاولا أن يلازمه من بداية ما يكتبه حتى نهايته لكي يظل القارئ معافى من أي ارتباك خالقا عنده القدرة على تبادل الأفكار والحوار المتواصل  . لا يتسرع في الكتابة  بل يمنح نفسه وقتا طويلا في الدراسة والبحث والإلمام بكل جوانب القضية التي يتابعها صحفيا أو يريد استجلائها بكتاب لكي يتعمق بمكنون مضمونها مستخدما أعلى أشكال التقنية الكتابية لصياغة تصوراته وهي تقنية تعكس أسلوبا خاصا بكابوشينسكي حيث  يمتزج فيها الأدب بالتاريخ والاقتصاد والسياسة .
ليست كتابات كابوشينسكي السياسية وحدها ذات محددات متميزة بل أن نفس المواصفات يؤسسها في كتاباته الثقافية العامة والأدبية الخاصة أيضا . ففي مقال أثار الكثير من الجدل  في الأوساط الثقافية العالمية بما حفلت به متون مقاله ذاك  من أفكار ومن عناصر مثيرة في عالم الثقافة والآداب  فقد طرح ريتشارد كابوشينسكي  سؤالا كبيرا يحمل نوعا من أنواع الفكر السياسي المتلازم مع الثقافة العالمية المتطورة  : " هل جاءت  نهاية هيمنة الثقافة الأوروبية ..؟ "  
كتب في بداية هذا المقال  قائلا: لم يكن القرن العشرون فقط قرن الحروب والأنظمة الشمولية، بل كان أيضا قرن الخلاص من الاستعمار ومسيرة تحرر طويلة المدى ، فقد تمكن ثلاثة أرباع سكان الكرة الأرضية من التخلص من الهيمنة الاستعمارية وأصبحوا على الأقل رسميا مواطنين يتمتعون بحقوقهم ، وأمر كهذا لم يحدث في التاريخ أبدا. وما أظنه سوف يتكرر. وقد تركز حكم الرأي العام المعاصر حول الخلاص من الاستعمار على المظاهر السياسية والاقتصادية وحول مسائل تتعلق بأنظمة الحكم في البلدان الجديدة، وحول المساعدات الدولية والديون ومقاومة المجاعات، لكنه لم يول اهتماما للتغيرات الثقافية الجديدة.
ولد ريتشارد كابوشينسكي عام 1932 في قرية بينسك وهي  تقع في القسم البولوني الذي أصبح تابعا إلى جمهورية روسيا البيضاء ولأن القرية التي نشأ فيها فقيرة جدا فقد كتب ذات يوم عنها أنها تشبه قرية افريقية وليست أوربية  ..!  وكان يحس من خلال العيش فيها انه يعيش في أفريقيا حيث الأمر  واحدا ومتشابها  : قلة الطعام والناس يمشون حفاة .
درس التاريخ في جامعة وارشو لكنه سرعان ما تحول بعد تخرجه إلى العمل الصحفي عندما عمل مراسلا في وكالة الأنباء البولونية PAP  فحصل سريعا على شهرة عالمية من رصانته في كتابة الريبورتاجات الأدبية في كثير من بلدان العالم .
كان مولعا بمتابعة الثورات المختلفة والانقلابات العسكرية والحركات الاشتراكية وبالتغيرات السياسية في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية . وقد كتب عن قرب  وتابع ما مجموعه 27 انقلابا وثورة  . فكان شاهدا على انهيار الإمبراطور هيلاسيلاسى الذي اصدر عنه كتابا عام 1978 بعنوان " الإمبراطور " كما صدر له عام 1982 كتاب حول الثورة الإسلامية في إيران بعنوان " شاهنشاه " وتحدث في عمله الكبير المعنون " الإمبراطورية " الصادر عام 1993 حول انهيار الاتحاد السوفيتي وتجربة الشيوعية  فيه خلال 70 عاما .
رحل ريتشارد كابوشينسكي عن عمر ناهز 74 عاما وكان قد كرر عدة مرات في كتاباته : أنا دائما في طريق السفر ..
كان مولعا بالشعر بل ينظمه أيضا إذ اصدر عام 1982 ديوانه بعنوان " مذكرات " . أما كتابه الأخير فقد صدر عام 2005 وهو بعنوان " رحلة مع هيرودوت " ويصف بهذا الكتاب الأماكن التي زارها المؤرخ اليوناني القديم هيرودوت .
كانت حياة كابوشينسكي كلها حياة سفر وأدب ومتابعة الأحداث السياسية وهي لم تكن تخلو من مواجهة الخطر والموت في عديد من المرات . وعموما فانه امتلك خبرة صحفية متجددة ثبتت قدميها بقوة في السياسة والأدب والتاريخ في مرحلة من التطور العالمي تصارعت وتناقضت فيها الكثير من أفكار الرأسمالية والاشتراكية والدكتاتورية والديمقراطية والحركات الإسلامية المتطرفة وغيرها من إفرازات الحرب الباردة  ولم تحل كلها دون رؤيته الصحفية المستقلة والعقلانية .

 
   
 


اقـــرأ ايضـــاً
مصر تلغي اجتماعاً مع مسؤولين عسكريين اسرائيليين
تهنئة من الاتحاد الديمقراطي العراقي
المعتقلون الفلسطينيون.. أجساد عارية وعيون معصوبة وقطع غيار بشرية
إضاءة ومساهمة في مؤتمر نسائي هام بالسليمانية
تصويت بغالبية كبرى في الجمعية العامة تأييدا لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة
صراع الممرات: طريق التنمية من منظور تاريخي وباب التعاون بين بغداد وانقرة
"النجباء" توعدت بالانتقام وفصائل عراقية تقصف إيلات
اللجنة الثقافية في الاتحاد الديمقراطي في كاليفورنيا تضيّف الدكتور سلام يوسف في (قراءات في ملحمة كلكامش)
نصف عام و كرسي رئيس البرلمان خالٍ.. من سيظفر بـ المطرقة ؟
بايدن يوجّه أقوى رسالة إلى إسرائيل
صحيفة إسرائيلية تصف تأخير شحنات الأسلحة الأمريكية لإسرائيل بـ"الضربة" وتؤكد: القادمة أكثر إيلاماً
الشرطة تفكك مخيم اعتصام موالٍ للفلسطينيين بجامعة جورج واشنطن
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة