الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
حكمت السبتي : صوت مغسول بالماء وممزوج بالحنين والطقوس الجنوبية .
الأربعاء 31-12-1969
 
أحمــد النـاصـر
الإهداء : الى روح صديقنا رياض السبتي ، ضحية الملابسات والإختلاطات الجائرة .

مساحات الجنوب الرسوبية المفتوحة ، وشمس الجنوب الواضحة ، وحزنه الطويل والثقيل ، لكن الشفيف ، ولياليه المملة ، وماء نهر الفرات بين مسارب النخيل المتشابكة ، والهامسة بالحفيف ، وتخوم الصحراء الجافة ، تشكل بيئة خاصة للعلاقة الحميمية بالمحيط وتأمله والتأثر به
وتصير مصدراً للتكوين الشخصي والنفسي والبدني البدائي والطبيعي ، ثم مصدراً معرفياً وثقافياً هائلاً لمن يتأثر بهذه المكونات ويكتشفها ويقيم علاقة حوارية وتفاعلية متبادلة معها، وتمنح بعض الناس مواهب وإمكانات خاصة .. والعلاقة الطبيعية مع أرض الجنوب وشموسه وجمالياته وأديانه وتاريخه الغزير والموغل بالقدم ، والتقاليد والحكايات الشفوية المخلوطة بالخرافة والخيال والجوع والقحط والإستغلال والإستبداد أحياناً ، والمكونات الأخرى ساعدت في تشكيل وتطوير الفطرة لعدد كبير من الناس ، وكونت حسهم الشعبي والحياتي والفني ، في هذه الأجواء العجائبية ، وفي هذا الثراء الروحي ، برزب ظاهرة الغناء الجنوبي الخاص والجميل وأطواره ، بعمقه وعذوبته وتنوعه ، بين مدينة ومدينة ، بل بين قرية وقرية ، في تنوع كبير وتنافس وتسابق عجيب لايتوقف ضمن مدرسة الغناء الريفي .خضير حسن ناصرية الذي ساهم في إطلاق وتجديد الغناء اللذيذ ، وداخل حسن الذي قلب الغناء العراقي التقليدي ليصيرمقبولاً وخالداً ، ويدرس للان بإعتباره ظاهرة صويتة خاصة وعميقة وقوية ، وحضيري أبو عزيز الشرطي الذي غنى للورد ، وناصر حكيم صاحب الصوت العريض والمقهى الغنائي الشهيركملتقي للمطربين والفنانين والشعراء في الصالحية ببغداد ، وجبار ونيسة ، وحسن حياوي ، وعزيز الشهري ، وعازف الطبلة أو ( الخشبة ) موحان ( مويح ) وجَلو ( بالجيم الفارسية ) وستارجبار ونيسة ، وطالب القره غولي وكمال السيد وحسن الشكرجي ، ، ثم عملاق الغناء البسيط والممتع حسين نعمة ، وفتاح حمدان ونضال الناصري ، ويقف في مقدمة الشعراء في مدينة الناصرية ، كاظم الركابي وجبار العزي وزامل سعيد فتاح وعريان السيد خلف وقيس لفته مراد وجليل العضاض وعادل العضاض وفاضل السعيدي وعبدالله الرحب الى جانب الشاعر الكبير رشيد مجيد وأساتذة المسرح عبد الرزاق سكر ودهله قمر والعم ( البوهيمي ) حربي حبيب ( أبو قاسم ) ، كذلك لايمكن أن ننسى غناء الغجر وتقاليدهم وحضورهم في مخيمات (منبوذة ) ومعزولة على تخوم المدينة ، وغناء أصحاب المشاحيف القادمة من الأهوار الى مدينة الناصرية عبر نهر الفرات من باعة السمك والطيور والبواري والحصران و( الخريّط ) وهم يغنون طور السفان والمجراوي ، بالاضافة الى أسماء محلية شهيرة وعديدة في مدينة الناصرية ، وخاصة صيادي الأسماك بين جسر الناصرية وبستان ( حجي ) عبود ، ومن بينهم حسين الأسود ودوخي و( دريول ) ، وهم يتبادلون إشارات الصيد بواسطة الغناء ، من مسافات بعيدة ، أصوات تنطلق بين الماء والسماء ، وسط سكون الليل ، يسمعها الناس على سطوح البيوت في محلة الصابئة ، ويطمأن لها السمك المغدور ، وليالي ( الكيف ) والأعراس والسهر.. هذه الأسماء مجهولة لم تصل أو تسعى الى الاذاعة أو التسجيل لظروف شخصية وأسباب وتقاليد وموانع إجتماعية وروادع دينية معروفة . لقد خسرنا روائع شعبية كثيرة ، طارت وتلاشت مع هواء الأيام ولم يمسك بها أحد ، ولكن يمكن القيام بجهد إستثنائي لجمع ما يمكن جمعة من ثراث غنائي وشعبي غير مسجل في مدينة الناصرية ، وهو كثير . أدعو هنا لإطلاق هكذا مشروع وقد نبدأ به مع الصديق العزيز قاسم حربي ، وندعو كل من يملك معلومات او تسجيلات قديمة نادرة ووثائق أو آراء نقدية للمشاركة في هذا العمل الفني والتوثيقي .هذه السلسلة الذهبية من الأسماء الرائعة هي التي أثرت على الفنان الجميل حكمت السبتي وأخذت بيده وساعدته وصقلت موهبته ، حكمت بن الناصرية وبن الجنوب ، صاحب الصوت المنقوع بالماء والمغسول به ، والخارج مع تراتيل الجنوب المندائية والقرآنية والحديثة ، والذي تمّسك بتقاليدها الغنائية والفنية الصارمة ، وصار أحد أعلامها ، رغم ماتعرض له من مشاكل وإهمال ونسيان مقصود وغير مقصود ، فقد ظل اميناً لمدينته ومعلميه ولناسه ، رغم سنوات الغربة الطويلة والقاسية ، وبقي يمد صوته صوب الوطن والناس ، وصوب الناصرية ، ويهديه لهم ولها ، وبقي مرابطاً على تخوم الحلم القديم ، يغرف منه ويطلقه الى مديات مفتوحة ، رغم كل الخسارات والتهميش والمرارات الشخصية .صوت حكمت ، صوت جنوبي بإمتياز في لكنته ونكهته وخامته الأصيله ومناخه الداخلي ، صوت قوي وصافي ورخيم يمتلك مواصفات وأمكانات عالية ، وهو ينثر عطره الدافئ ويرشه على مستمعيه ، ويقودك بود كبير الى أفياء النخيل مهما كانت بعيدة ، والى موجات و( روجات ) مياه الفرات التي تضرب وتصافح الجرف و( المسنايات ) ، وصفحات الأهوار العريضة ، أنك ستشم رائحة الطين والغرين مع طبقات الصوت العذب ، وهو يغني وينوح أحياناً بلا إنقطاع أو تعب ، ويذكرك بالكبار من المطربين ، مع محاولاته الدؤوبة للدراسة والبحث في التراث المنسي والتمسك به وتجديده والتعريف به ، وهي مهمة صعبة ، تحتاج الى أدوات وشروط معرفية عديدة ، ومتابعة ودراسة وبحث في مستويات كثيرة لتصل الى نتائج جديدة وهامة ، كما إن عملية البحث في التراث تبدو عقيمة وخانقة أحياناً وليست يسيرة ، وهوضد موجات الإنتشار السريع والمؤقت والإستهلاك والتسلع السائدة في الغناء عموماً ، لذلك فهذا الموقف الفني يعد تعبيراً فنياً وإجتماعياً ، وليس موقفاً مزاجياً أوذاتياً فقط ، خاصة في زمن الغناء الهابط ، والذي تشجعه وتدفع به فضائيات ومؤسسات وشركات وشخصيات معروفة ، تساهم في تخريب الذوق العام .لقد بدء حكمت بالغناء منذ طفولته وهو في مدرسة الثورة ( السيف ) الإبتدائية وفي نشاطها المدرسي ، وأخذ يتعلم الغناء والمسرح والسماع والحفظ والعزف على الآلات الموسيقية ، وقد حفظ وردد أغاني خضير حسن ومسعود العمارتلي وناظم الغزالي و جبار ونيسه وعوض دوخي ونجاح سلام وفايزة أحمد ، وقد اصبح صوت داخل حسن السحري الإسم السري لتكونه وتطلعه الفني ، ولإرتباط المطرب داخل حسن بعلاقة إجتماعية حميمة بوالده ، ثم أرتقى مسرح ثانوية الجمهورية وأدى أغنية ستار جبار ونيسه ( ماجنك هذاك أنته ) وأغاني ريفية أخرى .. و شارك في الحفلات المقامة على مسرح بهو البلدية ، والحفلات والنشاطات التي أقامتها جميعة الفنون والآداب في الناصرية في بداية السبعينات ، وقد شارك أيضاً في الدورات التي اقامها الفنان كمال السيد لتعليم العود والكمان و الفنان حسن الشكرجي لتعليم القانون والأوركرديون ، وساهم في نشاطات فرقة مديرية التربية أيضاً . لقد حاول الدخول الى الإذاعة والتلفزيون في سن مبكرة ، وقد ساعده الشاعر كاظم الركابي في التعرف على الفنانين الملحنين ، أمثال جعفر حسن وكوكب حمزة وطارق الشبلي ، كذلك دعمه في بغداد جميل سليم إستاذ العود في معهد الفنون الجميلة .بعدها أنتقل للدراسة في جامعة السليمانية / كلية الزراعة ، ومن هناك أتصل بإذاعة كركوك وتمكن من تسجيل مجموعة أغاني له بعنوان ( ما نكدر إنسميك ) .. وقد هاجر الى الخارج وإستقر في ألمانيا وأطلق أول كاسيت له في الخارج ( يالبصرة ) ، ساهم في كتابة كلماته الشاعر رياض النعماني والشاعر سامي عبد المنعم ومن ألحان سامي كمال وآزاد سعد ، وكانت المجموعة الثانية هي ( الغربة) من كلمات الشعراء كاظم السعدي وفالح حسون الدراجي وطاهر سلمان وكريم العراقي ، والألحان لعبد الحسين السماوي وجعفر الخفاف وسرور ماجد . ومجموعته الثالثة بعنوان ( راحل ) وهو أسم لأغنية من شعر جياد الركابي وألحان محمد جواد أموري ، وأغاني أخرى من أشعار عريان سيد خلف وسعدون قاسم وكريم العراقي وألحان كاظم فندي .. ثم أصدر مجموعة تكريمية لذكرى صديقه الشاعر الراحل كاظم الركابي بعنوان ( يكاظم ) شارك في كتابة كلماتها الشعراء رياض النعماني وناظم السماوي ، ومن ألحان الفنان نفسه وصبحي السماوي ومحمد جواد أموري ، وله مجموعة حديثة بعنوان ( بعيدين ) كتب كلماتها أبو إيفان ورياض النعماني وأبو شمس وزامل سعيد فتاح ، ولحن الأغاني وكمال السيد وسامي كمال وكامران محمد ، كما قام الفنان حكمت السبتي بإعادة توزيع وتسجيل عدد من الأغاني الثراثية والقديمة ومن بينها ( أفز بالليل ، كون الخضر ينشال ، البصرة ، بهيده ، الموعد جزه ، ولا خبر ) ، ويستعد الآن لإنجاز فيديو كليب ومجموعة من الأغاني والمشاريع الجديدة الأخرى .يبقى صوت حكمت السبتي من الأصوات الريفية الجنوبية القوية والجميلة ، وخامة نادرة ، حاكت تجربة المطرب الشعبي شخير سلطان مطرب الناصرية المغمور والمتوفي سنة 45 ، والمطرب الكبير حسين نعمة ومطربين آخرين ، لكنه لم يأخذ نصيبه الطبيعي في الإنتشار بسبب ظروف التمييز والغربة وضعف الإمكانات الخاصة لتنفيذ أعماله وأغانيه ، لكن حكمت فنان مثابر ومبادر ، لايتوقف عن العمل والعطاء

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
بيئة كوردستان: انبعاثات "النشاطات البشرية" أكبر عوامل التغير المناخي
"ليس هناك خطأ".. منظمة الصحة العالمية تحسم عدد القتلى في غزة
أخطر مهربي البشر.. سلطات كردستان تعلن اعتقال "العقرب"
تعليق أمريكي على تخريب "مساعدات غزة"
مصر تلغي اجتماعاً مع مسؤولين عسكريين اسرائيليين
تهنئة من الاتحاد الديمقراطي العراقي
المعتقلون الفلسطينيون.. أجساد عارية وعيون معصوبة وقطع غيار بشرية
إضاءة ومساهمة في مؤتمر نسائي هام بالسليمانية
تصويت بغالبية كبرى في الجمعية العامة تأييدا لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة
صراع الممرات: طريق التنمية من منظور تاريخي وباب التعاون بين بغداد وانقرة
"النجباء" توعدت بالانتقام وفصائل عراقية تقصف إيلات
اللجنة الثقافية في الاتحاد الديمقراطي في كاليفورنيا تضيّف الدكتور سلام يوسف في (قراءات في ملحمة كلكامش)
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة