الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
رمزية الجدار في الفن بين مفهوم «الحائط» وهوية الفن التشكيلي
الأربعاء 31-12-1969
 
بعدين فنيين مهمين يشكلان معنى الجدار لهوية الفن التشكيلي العربي.
البعد الاول هو الحرف العربي، ومع ان الحرف العربي الذي بدأته الفنانة العراقية مديحة عمر ومن ثم الفنان العراقي جميل حمودي في اواسط الاربعينات واحد من انجازات الهوية الفنية العراقية، الا ان هذا التعامل مع الحرف يمتد الى فترة اقدم عندما اكتشف الفنانون والخطاطون والمزخرفون القيمة التشكيلية والجمالية في الخط الكوفي الذي ما ان دخل ثقافة بلد اسلامي او غير اسلامي الا ووجد له فيها موقع قدم.
وتتحدث الكتب عن خط كوفي هندي وخط كوفي فارسي وآخر تركي وصيني ومغولي.. الخ ولعل البسطامي هو اول من اكتشف تنوعات الخطوط القديمة وخص لها كتابا مخطوطا موجودا في مكتبة لايدن في هولندا، ثم سرعان ما انتشر في بلدان عربية مختلفة ومن اشهرها المغرب كما يشير الى ذلك الشاعر بلند الحيدري في بحث له عن الحرف العربي في الفن التشكيلي المعاصر ويعد الفنان نجد المهداوي متميزا في هذا المجال.ويقول عنه بلند «وليس ما يذكرك بالكتابة غير نسجها الخطي وغنى حركتها وانسيابها بعد ان القى بها خلفية لاشكال كبيرة تتقدم اللوحة وتبدو احياناً وكأنها كتبت بعفوية واحيانا تبدو مصممة من ضروب من الخطوط الموروثة على ما هي في الكوفي او الديواني او الثلث دون ان تحمل بذاتها معنى لكلمة او لجملة فهو كما يقول يسعى الى ان يفرغ الحرف من معناه ويكف عن حمل اي خطاب وقد صار لهذا التوجه مريدوه الكثير وعلى مسافات من وضوح القصد في الكلمة او الجملة او التأكيد على شكل الحرف «كل ذلك مهد لارضية ان يتحول الخط العربي من الكتابة الذي زينت به الكتب القديمة ومن ثم فنون الواسطي، الى البعد الجمالي فيه عندما تعامل معه فنانون تشكيليون من امثال محمد علي شاكر مستخدما خط الثلث، ورافع الناصري معتمداً على التجريد للحرف محولا اياه الى كتلة لونية، وضياء العزاوي الذي يعد انضج الذين تعاملوا مع الحرف كقيمة تشكيلية وجمالية مع وضوح فيه، ومحمد مهر الدين الذي جرده من خطابه المعرفي ليحوله الى كتلة لونية تخترق فضاء اللوحة، وسالم الدباغ الذي تعامل معه تعاملا اسلاميا متدرج اللون والمساحة كبنية زخرفية تمتلك بعدا روحيا اخاذا، وعلى طالب الذي جعله بعداً تجسيديا وكتلة جمالية وسليمان البصري الذي تعامل مع قيمة التجريدية مكتشفا فيه اشكالا طبيعية اخرى من خلال التراك والتكبير والتصغير له، وغيرهم ليستقر لاحقا في مدرسة «البعد الواحد» التي بداها الفنان شاكر حسن آل سعيد ويقول عنها «اما بالنسبة لنا كمستلهمين للحرف في الفن فان موقفنا سيعتمد على ادراك هوية التراث العربي الراهن الذي نضعه عبر اقتباس اهم عنصر من عناصره الحضارية والفكرية وهو الحرف العربي - اذن فان الدور الذي سنعلبه هو وضع اللبنات الاولى لمدرسة معاصرة في الفن تعتمد على استلهام الحرف، ليصبح مسعى مدرسة البعد الواحد تكملة لما بدأه الواسطي في رسومه الجدارية القديمة التي اعادت له مدرسة البعد الواحد قيمته في بحث جميل ومبكر كتبه شاكر حسن آل سعيد عن الواسطي، تلك التي استعار فيها بنية الحكاية الشعبية والكتابة العربية معا ليتداخلا على بساط الجدار ببعد واحد مكن الفن من ان يختصر الكثير من الابعاد الجمالية المنقولة من الحكاية الى الرسم، وفي فن الواسطي وجدنا الجدار الشعبي العراقي وهو يتكون من قماشة الجدار مرسومة عليه شخصيات وحيوانات ببعد واحد.البعد الثاني الجدار المعماري ونعني به ذلك البناء التراثي القديم الذي يشكل النحت جزءا منه، لعلنا نعيد هنا تصورنا القديم عن فن الكهوف، برسومه المحفورة والبارزة على سطح جدرانها، وكذلك فن الجداريات السومرية والبابلية «باب عشتار» كما نرى بقايا في المتاحف الالمانية والانجليزية، تلك التي تخلط بين فن النحت والفن التشخيصي - التعبيري للملوك وللحيوانات، ولعل الفن الآشوري افضل من يمثل هذه المزاوجة، وفي المحصلة من هذا الارث العريق ورث فنانونا تصورات عن الوجوه السومرية وعن الثيران والخيول والهيكلية للكتلة، تلك التي تبرز الوجوه الكاملة امامنا، ولعل تكوينات الفنان جواد سليم في «نصب الحرية» واحدة من البنى التي يمتد وجودها الفني الى تلك الحقب التاريخية مستدعية الينا بقيمها الجمالية الاشكال السومرية والبابلية، ربما كانت هذه الاشكال كامنة في لاوعي الفنان عندما اعاد تشكيل تاريخ بلد ما مثل العراق في نصب اريد له ان يختصر تاريخ العراق القديم، ويجعل من تاريخه المعاصر امتداداً له الا ان المعمارييين الحديثين قد تعاملوا مع الجدار بوصفه قيمة فنية خاصة وخص المهندس رفعت الجادرجي الجدار بشيء من الخصوصية المنهجية عندما تعامل معه في عمارته ونظريته «جدلية العمارة» تعاملا فنيا ومصطلحيا فسماه باسماء دالة على تركيببته ووظيفته من قبيل «الجدار الافقي، الجدار الشاقولي، الجدار المرتد، الجدار الملتف، الجدار الناتي» وهي تسميات ترتبط بالفنية قبل ارتباطها بالبناء المعماري مما يعني ان الفنان العراقي يبحث عن تكوينات جدارية تحمل له هويته المعمارية والفنية، لا سيما وان رفعت الجادرجي وجواد سليم معا كانا يبنيان نصب الحرية.في الجدار النحتي نعثر على اولى التماثلات الفكرية بين التاريخ والفن، وهو ما يجعل الهوية الفنية هوية تاريخية ايضا، وقد يعيد لنا فنانون تصورات اخرى عندما يجدوا في الباقيا من احجار بابلية قديمة كتلا يمكنها ان تعيد تشكيل الرؤية المعاصرة عن الحضارة والتقدم من خلال التعامل الفني الحديث معها، هذا ما فعله المهندس المعماري والفنان طارق مظلوم في معرض اقيم في اواخر الثمانينات من مجموعة احجار رسم عليها وغير من هيكليتها بما يفيد بناء اشكال حجرية وفنية قديمة - حديثة.بمثل هذه الطريقة الفنية للتعامل مع الكتلة الفضائية البارزة يشكل الفن العراقي هويته المحلية تلك التي تجد في المزاوجة بين مرحلتين مادة لبناء تشكيلات حجرية وبرونزية، ولعلنا ندرك ان مادة التماثيل - البرونز - ليست ذات عمق تراثي عراقي، فهي نتاج مرحلة التقدم الصناعي والتقني الاوروبي، خاصة تلك التي لا تعتمد ثيمة معاصرة، فنصب الحرية كله عمل في فلورنسا وباشراف جواد سليم نفسه، لكن الرؤية المعمقة له لا تقف عند مصدر المادة الخام له، بل عند التصور الفني الذي اعاد بالمادة تشكيلاته القديمة - المعاصرة للحضارة العراقية، ان من يشاهد نصب الحرية لا يخطئ في القول انه يمثل قمة «الجدار» للفن العراقي المعاصر.ياسين النصير

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
بيئة كوردستان: انبعاثات "النشاطات البشرية" أكبر عوامل التغير المناخي
"ليس هناك خطأ".. منظمة الصحة العالمية تحسم عدد القتلى في غزة
أخطر مهربي البشر.. سلطات كردستان تعلن اعتقال "العقرب"
تعليق أمريكي على تخريب "مساعدات غزة"
مصر تلغي اجتماعاً مع مسؤولين عسكريين اسرائيليين
تهنئة من الاتحاد الديمقراطي العراقي
المعتقلون الفلسطينيون.. أجساد عارية وعيون معصوبة وقطع غيار بشرية
إضاءة ومساهمة في مؤتمر نسائي هام بالسليمانية
تصويت بغالبية كبرى في الجمعية العامة تأييدا لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة
صراع الممرات: طريق التنمية من منظور تاريخي وباب التعاون بين بغداد وانقرة
"النجباء" توعدت بالانتقام وفصائل عراقية تقصف إيلات
اللجنة الثقافية في الاتحاد الديمقراطي في كاليفورنيا تضيّف الدكتور سلام يوسف في (قراءات في ملحمة كلكامش)
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة