الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
سامي كمال: هكذا رد حضيري ابو عزيز على الصحاف
الأربعاء 31-12-1969
 

حاوره عبدالكريم هداد

سامي كمال أحد فناني الأغنية العراقية، الذين أبدعوا خلال عقد سبعينات القرن الماضي، ومازالت أغانيه تضئ الذاكرة العراقية بشفافية جمالياتها الموسيقية وعذوبة شاعرية كلماتها.تلك الأغنيات المتجددة والحديثة في الشكل والمضمون،
من دون أن تستنكر الملامح العراقية الشاخصة والمتجذرة في خصوصيتها.حيث تعاون مع ملحنين عراقيين أمثال الفنان الراحل كمال السيد، محمد عبدالمحسن، وعباس جميل. ورغم المرض الذي ألم به منذ سنوات وهو في أوج عطاءه، لكنه منحنا هذا اللقاء مشكوراً:
* هل تحدثنا عن البدايات الأولى ؟ وعلى ما أتذكر، كنت ضمن جوقة المنشدين مع مطربين كبار مثل حضيري أبو عزيز . فماذا أعطتك هذه التجربة، وهل لديك ذكريات معهم؟- لم أدخل المعترك الفني صدفة، بل كان مبني على أسس ودوافع فنية واعية. حيث كنت أعشق الغناء والموسيقى منذ صغري وسط الريف العراقي. ففي المرحلة الدراسية الأبتدائية كانت لي محاولات إلتفت إليها أساتذتي، الذين تبنوا موهبتي في الغناء من خلال المسرحيات والحفلات.. إضافة الى المناسبات والأعراس ومجالس الشعر ومناسبات عاشوراء. وبعد إنتقالنا الى مدينة بغداد، نهلت من كل المدرسة العراقية، توسعت الدائرة من خلال سماع الراديو والتلفزيون والمشاركة بالفرق الشعبية، فزاد ثقافتي الموسيقية وعززها اكثر واكثر. وفي عام 1970 حسمت الأمر في دخول الأذاعة، فقبلت كمنشد في فرقة المنشدين الصباحية.فائدة وجودي في الفرقة هذه، كانت واضحة من خلال إحتكاكي والملحنين والمغنين العراقيين، الذين يسجلون أغانيهم في الأذاعة يومياً. فعرفت الكثير من الأسرار الفنية للأغنية والمقامات والتعرف على الفنانين وتجاربهم. وكان قبولي بهذه الفرقة عسيرة بعد امتحان عسير خضته. والجوقة تضم فنانيين كبار ومعروفين الآن أمثال المغني الريفي عبد محمد وعبدالجبار الدراجي وغادة سالم وهناء صاحبة الصوت العظيم والرقيق وسعدون جابر وسعدي الحلي وكثيرين.أما السؤال عن الفنان المبدع حضيري ابو عزيز، فقد كنت ألتقيه في المقهى المقابل لمبنى الأذاعة، وكان في حالة يؤسف لها، مريضاً مرتدياً " الروب" حليق الرأس بالموس. ويردد على إنه ترك الغناء وسوف يذهب الى الحج. كان في صورة محزنة هذا الفنان العظيم الذي بنى الأذاعة بأغانيه. والمعروف في الأذاعة وجود استعلامات ويجب ان تكون أما موظفاً أو تحمل هوية أو موعد زيارة، أما خروج ودخول حضيري فهو حراً. وفي أحد الأيام حين كان محمد سعيد الصحاف مدير عام للأذاعة والتلفزيون، لم يرحب بدخول حضيري أبو عزيز، فأعترضه قائلاً : وين أبو عزيز...؟ فرد عليه معتبراً كلامه مبطناً بالأهانة : شنو... ولك هاي إذاعتي وإذاعة إبويْ... آنه بنيتها بديّه. صدقاً حصل هذا الموقف أمام عيني. ورغم ان الصحاف جزء من عصابة كاملة، لكنه لم يرد على حضيري ابو عزيز، فإنسحب بشكل مؤدب متوارياً.
* كيف كانت عملية التعامل في الوسط الفني مع الأصوات الجديدة. هل كانت عبر العلاقات الشخصية، ام ان الأسس الفنية هي الشرط في التعامل؟- بصراحة العملية الفنية السائدة آنذاك، حين دخولي الأذاعة والتلفزيون، كانت الأصوات تمر عبر عدة قنوات في إختبار صعب، ولم تحصل الأصوات بنفس السهولة واليسر كما هو حاصل الآن. والصوت الجديد اذا لم تتوفر فيه الأرضية الصلبة لتأهله في خوض التجربة الطويلة من خلال حفظ الأغاني الشعبية والفلكلورية والموشحات والمقامات العراقية والغناء الريفي، فلا يستطيع اجتياز الأختبار، الا اذا كان مدعوماً ولديه واسطة قوية، وهذه لن تشمل الكل فهم أناس معدودين. اما الغالبية العظمى من فنانين تلك الفترة، فقد اجتازوا الأمتحانات بشروط فنية وبجدارة وحصلوا على لقبهم الفني. اما الأصوات التي تسلقت عن طريق الواسطة والقنوات الغير مشروعة فالأمر موجود في كل مكان وزمان.
*للفنان الموسيقي خصائصاً ومميزات، ترسم ملامحه الفنية، وتحمل روحية مجتمعه وبيئته، فما هي الروحية الخاصة للبيئة العراقية. وما هي روافد تكوين أغنية الفنان سامي كمال؟- ان روافدي الفنية كانت من ريف العراق، وتحديداً من جنوبه حيث الأهوار المترامية وتأثيرات عاشوراء ومن مشاركتي في المهرجانات المدرسية المتعددة، اضافة الى تجارب الأصوات العريقة الأصيلة، والتي كنت اشارك بعضهم الغناء وترديد بعض الأدوار الحسينية رغم صغر سني أمثال الفنان الشعبي الكبير سيد محمد بن سيد كاظم الذي كان يمثل دور السيدة زينب (ع) وأنا امثل دور سكينة بنت الأمام الحسين (ع) حيث كنا نرتدي العباءات والوشاح خلال تمثيل التشبيهات الحسينية ولم أتوقف عن ذلك، بل شمل كل النهل من المدرسة العراقية عموما والمدرسة اللبنانية خصوصاً المدرسة الرحبانية والمدرسة المصرية. هذا الكل مع ثقافتي الموسيقية كونت سامي كمال الأنسان والفنان.
* في معظم أغانيك هناك إستلهام كبير للتراث الموسيقي العراقي، خاصة الأغنية الريفية تحديداً، فلماذا هذا القرب الشديد منها ؟ ويتجلى ذلك بشكل واضح في ألأغاني التي أديتها، كأغنية ياصويحب لمظفر النواب، بين جرفين العيون المشهورة يالبريسم، ياسنبلة وغيرها؟- ان ذلك صحيح جداً،لأعتباري ان الريف العراقي هو مهدي الأول، طفولتي وذكرياتي من الصعب نسيانها وليس من السهولة تخطيها أو القفز عليها. فاستلهمت الكثير منه مع التجديد والحداثة ضمن تجربة الحياة الثقافية بعيداً عن التكرار. أما التراث الموسيقي فهو زادنا ورئة التنفس فبالضرورة كان له التربع بدون منازع على جميع أعمالي.
* لقد ساهمت في نتاج أغنية السبعينيات، خلال الأذاعة والتلفزيون، ومنها أغنية رايح يارايح وين والتي فازت بالمركز الأول كأحسن أغنية عام 1977 والتي هي من كلمات اسماعيل محمد اسماعيل وألحان كمال السيد. فهل نتوقف عند أهم محطاتك آنذاك؟- أغنية " رايح..." كانت بحق أغنية جديدة بمعنى الكلمة اضافة الى مجموعة كبيرة من الأغاني لم تر النور على سبيل المثال" اجه المطر وانت بلا حبيبه" كتب كلماتها كريم العراقي ولحنها كمال السيد. وكذلك أغاني من الحاني ومن كلمات الشعراء كاظم اسماعيل الكاطع، كريم العراقي، فالح حسون الدراجي، اغلبها لم تقدم الخدمة الأعلامية المكتوبة والسمعية كما كانت تقدم للآخرين.
* خلال سنوات المنفى، كانت لك مساهمات مهمة في الأغنية المعبرة عن ذلك، ومنها أغنية لبغداد، التي حافظت فيها على بيئة الروحية العراقية، رغم لغة كلماتها الفصحى. هل يمكن تسليط الضوء على ذلك. حين أصبح الكثير في زماننا هذا، يلحنون القصيدة الفصحى، لكن الجملة اللحنية بعيدة جداً عن روحية البيئة العراقية، و تقترب كثيراً من الجملة الموسيقية التركية أو المصرية تحديداً، على أقل تقدير...؟- خلال سنوات المنفى وفي بداية الأمر عملت الكثير مع الفرق الغنائية، كفرقة الطريق التي كنت واحداً من مؤسيسها عام 1979 في عدن إضافة لكل منالفنانين كمال السيد، فؤاد سالم، حميد البصري، شوقية العطار. وبعدها فرقة بابل في سوريا وفرقة بيسان الفلسطينية، والتي حصلت على الجائزة الأولى دون كل الفرق الفلسطينية سنة 1990 وكنت مسؤلها الأول وقدمت لها (كاسيتين) تضم من أروع الأغاني التي سأبفى افتخر بها، وأسست كذلك فرقة الضفاف في السويد وعديد من الفرق في العراق وسوريا الى السويد قبل مرضي. أما سؤالك عن الألحان التي حافظت بها على البيئة العراقية. فالجواب بسيط، هو ان المرء سواء كان فنان أو انساناً من العامة، فمهما انتقل وابتعد عن ارضه وعن بيئته وعن اهله ووطنه، فيبقى مشدوداً بقوة لجذره الأول. فالجذور الأولى تمثل حبله السري، وبفقدانه الهوية يعني الضياع والنسيان مصيره. ولابد للفنان التأثر بهذا أو ذاك من فناني المعمورة. فكيف أصبح فنان أو شاعر أو كاتب اذا لم يتأثر بغيره من الفنانين، فلايوجد فنان لم يتأثر بغيره من الفنانين وكانوا قدوة له، وعظمة الفنانين الكبار هو في ارتباطهم بأرضهم وبيئتهم وليس العكس.
* في تجربة مجموعتك الغنائية المعنونة لبغداد، هناك أغنية بعنوان " شلون بي وبيك يبنادم " ادعى المطرب صباح الخياط بأنها من التراث، فهل ذلك صحيح، أم ان الكوبليه الأول هو من التراث. ألك توضيح في ذلك، خاصة وان الكثير من المطربي الشباب في العراق، بدأو بتسجيل أغاني فنانين آخرين، مدعين إنها من التراث ؟- في الشام كثيراً ما نجتمع والمبدعين الآخرين وأصدقاء نستمع للشعر ونغني ونتحاور. وكان احد الجلاس الجميليين صديقاً اسمه ((ابو عليوي)) توفي في سوريا، وهو فلاح كان اول ما تدور الخمرة في رأسه يتذكر زوجته الشابة، فتنزل دموعه ويردد على شكل القاء غير منغم (( اشلون بيّه وبيك يبنادم )) بطريقة فيها الكثير من التراجيديا. لقد استفزتني كثيراً هذه الجملة، وبقيت أرددها بيني وبين نفسي ويوم عدت الى عدن في الثمانينات، اعددت لها من كلمات كاظم اسماعيل الكاطع صديقي الجميل بما يناسب موضوعها، وعند عودتي ثانية لسوريا أسمعتها كاملة للمرحوم ((ابو عليوي) ففرح بها وسجلتها ضمن مجموعتي المعنونة لـبغداد عام 1984. اما من يدعي انها من التراث، فأعتقد ان ذلك غير صحيح، بدليل ان ( ابو عليوي ) يرددها من دون لحن، واذا كانت من التراث حسب مايدعي الأخ المطرب صباح الخياط، فعليه ابراز الدليل على ذلك.
* في تجربتك الجميلة، كان هناك تنوع في الكلمة الغنائية بتنوع نصوص الشعراء، وألحان ملحنين آخرين. أين وجدت لحنك ونصك من هؤلاء الشعراء والملحنين؟- كثير من الشعراء الذين تعاملت معهم من عراقيين وعرب سوريين وفلسطيين، ومن الصعوبة احصاء كل الشعراء الذين تعاملت معهم واسماء الأغاني وتواريخها.
* بالتأكيد إنك ترى هذا الخراب الكبير في العراق، ومنها الأغنية. فما هو برأيك مسببات هذا التردي البذئ والركيك؟- ان الخراب والدمار الذي حصل في وطننا العراق فهو عام وشامل ولم يقتصر بجانب دون الآخر، والسبب يعود للدكتاتورية المقيته التي حكمت شعبنا بالحديد والنار منذ اكثر من ثلاثين عاماً ومكممه الأفواه.وكل الفنون لاتعيش ولاتتطور اذا لم يكن هناك انفراج وديمقراطية تتنفس من خلالها، وبطبيعة الحال فأن الأغنية اكثر الفنون تأثراً بذلك الخراب ومنذ السبعينات لم نسمع بشئ جديد على صعيد الأغنية. وفعلاً ان الوجوه الجديدة لا نسمع منها غير التكرار للقديم والتصفيق للدكتاتورية، فتحولت كل الفنون الى ابواق تسبح بذلك الدكتاتور وتناست الوطن..اأطفال..الزهور...المرأة... العامل..الفلاح.. الأرض. ولا أعتقد ان هنالك فنان واحد قد استطاع ان يفلت من هذا المستنقع، ما عدا الذين ماتوا كمداً وهماً والذين اضطروا الى مغادرة وطنهم هرباً من الجحيم الذي ابتلى به العراق واصبح التمجيد للدكتاتورية جواز مرور لما يسمى (( مطربين طارئين) واغاني مسطحة وفارغة من أي قيمة فنية او مضمون فأصبح ذلك سلوكاً يومياً للغالبية العظمى ولم يسلم منه سوى القلائل من الذين يعملون في هذا الوسط وبالتالي فأن الفنون جميعاً لم تعيش وتحيا وتتطور الا كان هناك جو من الأمان والأستقرار والديمقراطية والعدالة الأجتماعية ترعى الفن والفنانين وتحترم ماينتجوه من فن راقي يخدم كل الناس. واذا تحولت الأغنية وهي لسان حال الناس الى بوق وطبل اجوف لتجميل صورة الدكتاتورية القبيحة، عندها تضيع الأصول الحقيقية للأغنية. فحتى الفنان القدير والكبير والرمز (محمد القبانجي)الذي يفترض ان يحترم ويكرم على ما قدمه للعراق والأغنية العراقية في المقام العراقي، يجبر في آخر أيامه على التسبيح للطاغية وهو مريض ولم يكن يستطع حتى الوقوف.  

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
أخطر مهربي البشر.. سلطات كردستان تعلن اعتقال "العقرب"
تعليق أمريكي على تخريب "مساعدات غزة"
مصر تلغي اجتماعاً مع مسؤولين عسكريين اسرائيليين
تهنئة من الاتحاد الديمقراطي العراقي
المعتقلون الفلسطينيون.. أجساد عارية وعيون معصوبة وقطع غيار بشرية
إضاءة ومساهمة في مؤتمر نسائي هام بالسليمانية
تصويت بغالبية كبرى في الجمعية العامة تأييدا لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة
صراع الممرات: طريق التنمية من منظور تاريخي وباب التعاون بين بغداد وانقرة
"النجباء" توعدت بالانتقام وفصائل عراقية تقصف إيلات
اللجنة الثقافية في الاتحاد الديمقراطي في كاليفورنيا تضيّف الدكتور سلام يوسف في (قراءات في ملحمة كلكامش)
نصف عام و كرسي رئيس البرلمان خالٍ.. من سيظفر بـ المطرقة ؟
بايدن يوجّه أقوى رسالة إلى إسرائيل
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة