الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
على أجنحة الشعر، الدراجي يحملُ العراق الى ساندياگو
الأربعاء 31-12-1969
 
مالك عنيد - ساندياگو الأمريكية
واقعياً، لايمكن نقل بلد من مكان الى آخر .. لكن إبداعياً .. وعاطفياً يمكن حصول ذلك. وهذا ما فعله الشاعر فالح حسون الدراجي في أمسيته السبعينية الفنية الإبداعية يوم السبت الماضي، حين حمل الينا حبيبنا العراق على أجنحة الشعر، وحط به عزيزاً كريماً في قاعة المنظمة الكردية لحقوق الإنسان في مدينة ساندياگو الأمريكية ..
بعد أن رأى أن الكثير منا - لأسباب كثيرة - لايستطيع زيارة وطنه الغالي العراق. نعم لقد كان العراق جالساً بين صفوفنا مساء السبت الماضي.. وكنا نختلس النظر اليه بين فينة وأخرى، فنراه باسماً سعيداً - رغم متاعب السفر -، وجميلاً أنيقاً كعادته. كان جالساً بكيريائه وشموخه وهيبته، يستمع للشعر، وينتبه للإستذكارات الموجعة، يصفق للصورة الشعرية ويطرب للنغمة الغنائية الباهرة. فتارة يبكي معنا بألم عندما يمر فالح على سيرة بعض الشهداء والراحلين، وتارة يضحك معنا بسعادة عندما يطلق فالح بعض القفشات الفكهة. ثلاث ساعات أو أكثر بقليل. كنا نجلس مع العراق وجهاً لوجه، ويداً بيد، وضلعاً لضلع. ملأنا عيوننا بملامحه النبيلة، وملأنا نفوسنا بأريجه الزكي. ألتقطنا معه الصور التذكارية. وحكينا له بعض همومنا. وشكونا له أوجاعنا. قبلنا يديه الكريمتين المقدستين، وبكى بعضنا على صدره الأبوي. ماذا يفعل الشعر العراقي العظيم، وكيف يستطيع أن يحمل العراق بجباله وأهواره وسهوله وناسه وذكرياته الى هذه المدينة البعيدة،وكيف يجيء بهذا الجمع العراقي الكثير، الذي قلما يجتمع في مثل هذه إلاَّمور ( غير المُجدية ) ؟ لقدحضر الى القاعة جمهور ينتمي لمختلف ألوان العراق، وطوائفه وفسيفسائه الجميل، فكان الحضور موزائيكياً بإمتياز. فمثلاً أنا وزوجتي - الصابئيان المندائيان - جلسنا في الصف الأول بجنب الإعلامية المسيحية كاميليا، وبجنب القاص الجنوبي المعروف حيدر عودة، والمسلمة أم نضال، وكان في ذات الصف يجلس معنا الكلداني رياض حمامة، والكردي (آزاد محمد) وهكذا في الصفوف الأخرى. وعندما قرأ فالح نص (عشگ مندائي) بصوته وأدائه الجميل، لم أستطع السيطرة على مشاعري فبكيت، وبكت زوجتي أيضاً، وكم كان الأمر مفاجئاً لي، عندما ألتفتُّ الى الجهة اليسرى، لأجد المسيحية كاميليا تبكي معنا أيضاً. إنه وجع العراق وقواسم همومه المشتركة. ونفس الشيء حدث عندما قرأ فالح قصيدة (يامسيحينه العراقي) حيث ترجم فيها أوجاع المسيحيين العراقيين بكل صدق، فجعل الحضور يتفاعل مع اوجاعهم ومآسيهم. وكذلك في قصيدة ( أكراد فيلية ). فقد أبكى فالح الحضور دون إستثناء. لقد قرأ الدراجي من شعره الجميل خمسة عشر نصاً وقصيدة قطع فيها أنفاسنا، فجعلنا ننسى أنفسنا، وننسى هذا الزمن العجيب. وللحق، فإن الأمسية لم تكن شعرية شخصية للشاعر فحسب،بل كان القسم الأكبر منها مخصصاً للأغنية السبعينية، فمرَّ المحاضر على شعراء الزمن الغنائي الجميل واحداً واحداً، مستذكراً روائع الشعراء الأساتذة زهير الدجيلي، وأبو سرحان ، وكاظم الركابي، وكاظم الرويعي وزامل سعيد فتاح وجبار الغزي وناظم السماوي، وغازي ثجيل، وغيرهم. كما تحدث عن الكبار من عمالقة التلحين، أمثال كوكب حمزة وطالب القره غلي وكمال السيد ومحسن فرحان ومحمد جواد أموري وجعفر حسن وحميد البصري، وطالب غالي، وياسين الراوي، وعبد الحسين السماوي، وطارق الشبلي، وكذلك جعفر الخفاف وكاظم فندي اللذين أعدهما الدراجي مكمليَّن للجيل السبعيني رغم ظهورهما في مطلع الجيل الثمانيني مستذكراً نتاجهم الباهر. في حين كان مرور المحاضر على المطربين الكبار فاضل عواد وحسين نعمة وقحطان العطار وفؤاد سالم، وياس خضر ورياض أحمد وسعدون جابر، ومائدة نزهت، وأنوار عبد الوهاب، وسيتا أوگوبيان، وأمل خضير، وشوقية ضرورياً وفاعلاً وذا أهمية إستحقاقية كبيرة. وعندما تحدث فالح عن زملائه من شعراء الأغنية السبعينيين، الذين ظهروا - غنائياً - بعد منتصف العقد السبعيني، فقد تحدث بمودة وتقدير عاليين عن رياض النعماني، وكريم العراقي، وأسعد الغريري، وكاظم السعدي، ومهدي عبود السوداني، وكاظم اسماعيل الگاطع، وعريان السيد خلف، ومكي الربيعي،وكريم خليل وجبار النجدي، وطاهر سلمان وغيرهم من شعراء الأغنية المبدعين. ولم ينس فالح المرور على الظروف السياسية، وخاصة الإنعطافة المؤقتة في العلاقات الجيدة ( نوع ما ) ين القوى السياسية، بحيث ساهمت في إنتاج هذا الحصاد الكبير في بيدر الأغنية السبعينية الزاهي، إضافة الى بعض الظروف التي ساهمت في أفراز النتائج الإيجابية التي تركتها الأغنية السبعينية على مجمل حركة الغناء العراقي، موسيقياً وشعرياً ونقدياً وجماهيرياً. لقد كان فالح الدراجي يستذكر عبر ملامح الأغنية السبعينية مفاتن الزمن العراقي الجميل، وتحولاته السياسية والإجتماعية والإقتصادية، ولم يستثن منها أحداً. فمثلاً كان الحديث عن الأغنية السياسية المحلية قبل إنطلاقتها نحو الآفاق العالمية على يد جعفر حسن وكوكب حمزة، وكمال السيد وشوقية وغيرهم له محور واسع. وما مساهمة الأغنية العراقية في تفاعلات حركة التحرر العربية، وكذلك إنتفاضات الشعوب، والأنشطة السياسية الشبابية العالمية والدفاع عن التجارب الوطنية الحرة، وخصوصاً الأغاني التي انتجها الفنانون العراقيون التقدميون في قضايا فلسطين وفيتنام، أو في تصديهم للغطرسة الإسرائيلية والطغمة العسكرية في تشيلي، إلاَّ تأكيد على ذلك. لقد كان ( أبو حسون ) في هذه الأمسية مضيئاً بذاكرته الشبابية، ولامعاً في شعوره السامي. وباهراً بعراقيته، وحضوره الإبداعي. ولعل الأمر الذي شد إنتباهي فيه، هو تمكنه من السيطرة على تلابيب الأرواح والقلوب، حتى أطلق دموعنا من محاجرها مرات عديدة. وفي ختام الأمسية التي أدارها بنجاح الأستاذ قصي الصافي، تحدث عدد كبير من الحاضرين عن مشاعرهم، وآرائهم، فأثنوا جميعاً على إدارة التيار الديمقراطي العراقي، التي نظمت هذه الفعالية الرائعة وأتاحت لهم هذه الفرصة الطيبة. وقد تجلى ذلك من خلال الحضور الكبير الذي ملأ القاعة التي أقيمت فيها الأمسية، بحيث لم يعد ثمة مقعد واحد فارغ فيها. نعم لقد تحدث فالح الدراجي عن الأغنية العراقية في العقد السبعيني بإسهاب، لكنه لم ينس الحديث عن فرسان الأغنية الخمسينية والستينية، فبهر الحاضرين بشاعرية سيف الدين ولائي، عندما إستذكر نصوصه الغنائية الجميلة، التي كتبها الراحل آنذاك، حتى أن بعضنا لم يصدق أن شاعراً واحداً - مثل ولائي - يكتب لوحده أكثر من نصف الغناء العراقي الخمسيني والستيني - وبهرنا الدراجي أيضاً بتاريخ عباس جميل الغنائي، وإبداعية الرائعة عفيفة إسكندر. لقد تمكن فالح من وصف حلاوة الزمن الخمسيني والستيني بطريقة مدهشة، ولم يكتف بوصف ذلك الزمن فنياً وحياتياً بل راح يصف لنا بعض التفاصيل الصغيرة، في محاولة لتلطيف الجو المشحون بالحزن. تخيلوا انه وصف لنا ملامح عفيفة إسكندر، وقدراتها وجمال وجهها وروعتها الغنائية.حتى أظهر إعجابه بأصابعها لما رآها أول مرة في ( كافتريا الإذاعة ) قبل خمسة وثلاثين عاماً، فقال مستذكراً ذلك اليوم : جلستُ قبالتها في الكافتيريا ورحت أنظر بإعجاب شديد الى أصابعها دون غيرهن، فأنتبهت عفيفة لي، وضحكت، ثم قالت : ها حلوات أصابيعي؟! فقلت : إنهن أحلى ما رأيت في حياتي .. فضحكت، وقالت ( بالعراقي ) : تگبل .؟

 
   
 


اقـــرأ ايضـــاً
التجارة الأوكرانية: العراق تعاقد مع شركة وهمية لتطوير حقل "عكاز الغازي"
امرأة عاشت قبل 75 ألف عام بالعراق.. اعادة تكوين رأس "شانيدار زد"
مؤرخة أميركية: ما تشهده الجامعات غير مسبوق "منذ حرب فيتنام"
يعملون في عيدهم.. 1 أيار "يوم بلا فرحة" لعمال العراق
التغير المناخي "يُهجّر" 100 ألف عراقي من مناطقهم
مداهمات واعتقالات في جامعة كولومبيا.. والسبب غزة!
كيف أصبح الأول من مايو عيداً لعمال العالم؟
بعد سنوات من التعثر، هل ينجح العراق في إنجاز طريق التنمية؟
ردود فعل حادة بعد إقرار "قانون المثلية الجنسية" في العراق
تهنئة من الاتحاد الديمقراطي العراقي
ندوة اللجنة الثقافية في الإتحاد الديمقراطي العراقي في كاليفورنيا
البرلمان العراقي يمرر قانونا يجرم "المثلية الجنسية"
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة