ذاكرة بغداد القديمة تضُمّ بين جدرانها الكثير من الحكايات، وتُخبئ خلفها العديد من الذكريات، فلو استُغلت تلك الذاكرة لأصبحت متاحف تروي أساطير اصحابها، خاصةً وإننا نمتلك تراثاً لخاتونات المدينة، وبشواتها وافنديتها، وذاكرة سكنها ملوك ورؤساء دولة، واخرى تحكي قصص اليهود....

في محاضرة عن ذاكرة المدن العراقية بين الهدر والتوثيق والتي أقامها الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق وقدمها الكاتب والقاص محمد علوان جبر تحدث خلالها في مقدمته عن "أهمية توثيق المعالم التراثية التي تحمل تاريخ المدينة المعاصر." وذكر جبر "إن كل من كفاح الامين وتوفيق التميمي وضعوا خطوطاً عريضة لمشروعهم الخاص بهذه البيوتات، فقد وثق الامين البيوتات بصور فوتوغرافية متعددة تحكي واقع المدينة وتقاليدها وزيّها، كما قدم التميمي بحوثه بهذا الشأن " إن كل الذين دونوا الثقافة العراقية وضعتهم أمامي من اجل استكمال ما بدأوا به ، حتى وجدت نفسي مع مجموعة لها ذات الاهتمام والطموح ليتحول عملي فيما بعد من شخصي الى جماعي".وقال " إن أهم المشاكل التي واجهتها بالعمل في سبيل الحفاظ على الذاكرة العراقية هو العمل الممنهج من قبل السلطات السياسية ومنها الذاكرة الثقافية العراقية هذا من جانب، أما الجانب الآخر ، فهو إن الثقافة العراقية بكل توجهاتها مهتمة بالشعر والنثر والقصة والرواية متناسين الأهمية التراثية على مختلف الحقب الزمنية." من جهته قال طالب السيد المهتم بصناعة الأفلام الوثائقية "إنه على الرغم من تطور وسائل الاعلام بمختلف أشكالها ، إلا إنه يبقى الفيلم الوثائقي من أهم الوسائل لعرض الأحداث التاريخية المفصلية في تاريخ البشرية، وستبقى الافلام الوثائقية تدور في حلقة واحدة إذا خرجت عن بعدها الثقافي والانساني ، ومثال ذلك إنه بعد قيام الاشتراكية تحول الوثائقي الى أفلام تبشيرية." وأوضح " نحن العاملين بهذا المجال معدودين بأصابع اليد ، عانينا كثيراً لأن صناعتنا للأفلام قائمة على توفر الصورة، وكثير من الصور خسرناها بسبب الحروب والمشاكل الاقتصادية التي مر بها العراق." وطالب المؤسسة الحكومية بان لا يقتصر دعمها مادياً فقط ، وإنما معنوياً أيضاً عبر الحفاظ على ما تبقى من المناطق الأثرية في بغداد ، ومن هذه المناطق (الميدان )، اهم مناطق بغداد فهي تحتاج الى وقفة جادة من المثقفين لإنقاذ تاريخ مهم من تواريخ بغداد." واختتم حديثه بالقول " إنه لايمكن أن نحمل الحكومة وحدها التقصير تجاه الاماكن التراثية ، وانما هناك تقصير من قبل الناس وجهلهم بالاهمية التي تمثلها هذه المعالم التي خسرتها بغداد."

بعدها شهدت الجلسة مداخلات ، كان من أهمها للباحث ناجح المعموري الذي عبر عن سعادته في الاحتفاء بهذه الأسماء التي قدمت عملاً مؤسساتياً لم يكن هدفه الحفاظ على الذاكرة فحسب بل إنه يحمل أبعاد أخرى أهمها الفلسفة، لما فيه من معلومات وتواريخ مهمة."وأضاف: "إن أعمالهم أبرزت حجم علاقة المعرفة بالسلطة التي ظلت في مختلف العصور الى يومنا هذا متنافرة ، لأن الثقافة دائماً وأبداً ضد السلطة هذا من جانب، أما الجانب الآخر فان مشروعهم بدأ يضغط لتاسيس قاعدة اجتماعية، مما أدى الى تبلور مشروع ثقافي مهم ، فضلا عن المتعة التي يوفرها البرنامج." وشدد على" ضرورة إعادة الاعتبار لهذا المشروع الذي لانعتبره مشروع إعلامي فقط ، بل مشروع حيوي جبار انتجه فضاء الحرية بعد 2003 ، داعياً الجميع لمساندة المشروع للحفاظ على السرديات التاريخية."

ودعا المؤرخ كفاح الأمين الى "تأسيس متحف للتصوير الفوتوغرافي العراقي وإقامة ندوة عن أرادة الذاكرة للحفاظ على الموروث المجتمعي."