الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
اللواتي يعشقن أنسنة الأمل !
الأربعاء 31-12-1969
 
رضا الظاهر/ طريق الشعب
قبل قرن ونصف ارتفعت أصوات عاملات النسيج في نيويورك احتجاجاً على ظروف عملهن ومطالبة بحقوقهن. ومنذ العام 1857 وحتى اليوم تتواصل مسيرة تاريخ مفعم بالآلام والمآثر، وكفاح لا يكلّ من أجل العدالة. ومن هنا الأهمية الاستثنائية والمغزى العميق للاحتفال هذا العام بالثامن من آذار، يوم المرأة العالمي.
معلوم أن اضطهاد الرجل للمرأة هو الأول زمنياً من بين كل الاضطهادات، ويستند الى البنى البطرياركية التي أنشأتها السلطة الذكورية منذ "أكبر هزيمة تاريخية للجنس النسائي" حسب تعبير إنجلز.وتبقى القاعدة التي صاغها سقراط والقاضية بأن "للرجال السياسة وللنساء البيت" نموذجية لتأبيد الثقافة المهيمنة ومواصلة إسكات النساء وإقصائهن عن العمل الاجتماعي المنتج. أما الاستخفاف بالنساء فممتد عبر التاريخ بصور لا تحصى. ولعل من البليغ أن نتذكر، في هذا السياق، نيتشه وهو يقول: "إذا قصدتَ النساء فخذ السوط معك" !وانطلاقاً من منظومة القيم البطرياركية يجري التعامل مع المرأة كموضوع لا كذات، الأمر الذي يكرس صورتها المقولبة، ويزيّف وعيها بذاتها، ويرغمها على تبني قيم الوعي البطرياركي السائدة، التي تؤبّد الوضع القائم، وتجعل افتراضاته تبدو نتاجاً لطبيعة إنسانية وليس لثقافة متغيرة ومصالح سياسية مكتسبة.أما معاناة النساء العراقيات فلا نظير لها. ولعل أقساها ما كابدنه في ظل حروب الطاغية وحملاته الايمانية ومقابره الجماعية. وكانت الأمهات الثاكلات والزوجات الأرامل والشقيقات المفجوعات يتطلعن، بعد انهيار الدكتاتورية، وسوية مع الملايين من نساء البلاد المعذبات، الى تجاوز الظلم. لكن مسار الأحداث الفعلي، في ظل "المحررين" و"المتحاصصين"، بيَّن، بجلاء، أن تحقيق هذا الأمل، في بلاد يسودها الخراب والتخلف وشريعة الغاب، يصطدم بعقبات كأداء. بل وكشف عن حقيقة مريرة تتمثل في أن القوى التي تنظر الى المرأة نظرة دونية في صعود.أما أولئك الذين يريدون أن يحجبوا وجه المرأة وعقلها ببراقع الظلام، ويغسلوا دماغها على طريقة "طالبان"، ويحجروا "ناقصات العقل والدين" في المنازل، فترد على ظلامهم تلك الصفحات المشرقة من التاريخ الاسلامي.فلم تُمنَع النساء في صدر الاسلام، كما هو معروف، من حضور المسجد والمساهمة في فعالياته. ولم يُفرَد لهن مكان مخصوص فيه، وإنما كان يُفصَل بينهم في قاعة الصلاة، فتكون بين النساء والرجال مسافة بضعة أذرع.وفي "المسند" عن عبد الله بن عمر أن النساء والرجال كانوا يتوضّأون معاً في زمان رسول الله.وكان الرسول الكريم يصطحب النساء في حملاته الكبيرة، وقد شهدن معه صلح الحديبية. ويناهز عدد الصحابيات بالوصف المقبول للصحابي أربعمئة من مجموع عشرة آلاف، وهو عدد مرموق في قياس الدائرة النسوية، حسب الباحث القدير الراحل هادي العلوي.ومن بليغ الدلالة على عدم إيذاء مشاعر المرأة ما أورده (صحيح البخاري) من أن  زوجة ثابت بن قيس جاءت الى النبي محمد فقالت: يا رسول الله! ثابت بن قيس ما أعتب عليه في دين ولا خلق، ولكني أكره الكفر في الاسلام (تعني أنها لا تحبه). فقال لها: أتردين عليه حديقته ؟ قالت: نعم. فأرسل إليه النبي، وقال: إقبل الحديقة وطلِّقها (والحديقة بستان قدمه ثابت مهراً لها).وكان رسول هذه الأمة يسلّم على المرأة إذا صادفها في الطريق، ثم صار السلام عليها من المحظورات. وما أكثر هذه المحظورات اليوم. ولم يكن من المستغرب أن بعض رجال الدين المتزمتين تشددوا في منع النساء، بل وضعوا أحاديث على لسان الرسول والصحابة وأئمة أهل البيت تقضي بإلزام المرأة بيتها. ونسبوا وصية الى الامام علي بن أبي طالب تقول: "إذا استطعتَ أن لا يرَيْن غيرك فافعل". ومعروف أن الامام علياً هو الذي استخدم المحرِّضات في صفين لتأجيج حمية مقاتليه، وكان فيهن من يتفوق على رجاله في شدة الصوت وبلاغة الخطاب.وعلى أية حال فإن أمام نساء بلادنا أن يدركن أن قضيتهن جزء أساسي من صراع اجتماعي سياسي لابد من خوضه تحت راية حقوق النساء لا رايات الآيديولوجيات، وهو صراع لابد أن يسهم في خوضه، أيضاً، الرجال المتنورون، المؤمنون، حقاً، بأن تحرير المرأة تحرير للمجتمع.وعلى المنظمات النسوية ومناصريها من البرلمانيين والسياسيين والاعلاميين وسواهم أن يعبئوا حركة شعبية تنويرية تناهض الظلم والتمييز والعنف ضد المرأة وانتهاك حقوقها الأساسية، وتسعى الى حماية قانون الأحوال الشخصية بل وتطويره، وإقرار قوانين أخرى تهدف الى ضمان مطالب النساء العادلة.*     *     *أول قصيدة كشف عنها التاريخ حتى الآن، وهي "ابتهال أنخدونا لإنانا في أور" السومرية، كانت من إبداع إمرأة .. وأول شهيدة في الاسلام كانت امرأة هي سميّة أم عمار بن ياسر .. و"المرأة مستقبل الرجل" قال أراغون ..دَينٌ في أعناقنا أن نتذكر، من بين كل من أحببنا ونحب، أولئك الرائدات المحرِّضات، اللواتي عشقن أنسنة الأمل، فقطعن أولى الخطوات، وحملن أول المشاعل، ورفعن أولى الرايات .. بهن نستضيء في المسير، ونضيء دروباً للآتيات والآتين، حتى تبقى "المرأة مستقبل الرجل" !

 
   
 


اقـــرأ ايضـــاً
مشروع يعيد اشجار العراق "المهاجرة" بـ 100 الف شتلة
تسجيل 333 انتهاكاً بحقهم.. صحفيون عراقيون يكسرون صمتهم في اليوم العالمي لحريتهم
جمال الأجواء يجذب السيّاح إلى بحيرة سد دهوك: ارتفاع منسوب المياه انعشها
جرف الصخر العراقية.. أهمية عسكرية استثنائية
التجارة الأوكرانية: العراق تعاقد مع شركة وهمية لتطوير حقل "عكاز الغازي"
امرأة عاشت قبل 75 ألف عام بالعراق.. اعادة تكوين رأس "شانيدار زد"
مؤرخة أميركية: ما تشهده الجامعات غير مسبوق "منذ حرب فيتنام"
يعملون في عيدهم.. 1 أيار "يوم بلا فرحة" لعمال العراق
التغير المناخي "يُهجّر" 100 ألف عراقي من مناطقهم
مداهمات واعتقالات في جامعة كولومبيا.. والسبب غزة!
كيف أصبح الأول من مايو عيداً لعمال العالم؟
بعد سنوات من التعثر، هل ينجح العراق في إنجاز طريق التنمية؟
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة