الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
اللغة والرمز في الصورة الشعرية (لحى محنّاة بطمث النكبة) - الشاعرة ميمي أوديشو
الثلاثاء 10-12-2019
 
د. عزيزالتميمي

المجموعة الشعرية (لُحى محنّاة بطمث النكبة) احتوت اربعة قصائد طويلة في المتن العام، وكل قصيدة من هذه القصائد تشكّلت من كم من الومضات الشعرية أو قصائد انجزت ضمن ثيمة شعرية واحدة.

تنتمي هذه المجموعة الشعرية إلى جنس المطولات الشعرية، التي كانت تسمى بالملاحم الشعرية إلا انها اختلفت عن الملاحم بلغتها الشعرية الرائقة التي تميل إلى العذوبة أكثر

منها إلى الحماسة.

تماهيات اللغة في القصيدة

تمرد اللغة الشعرية: تمرّدت اللعة بتحررها من عوائق التقليد والتابلوهات الاجتماعية والدينية، وهنا تحسب للشاعرة هذه الإنتباهه التي أنعشت جملتها وصورها ورموزها بالتدفق الجمالي والفني، والقارئ لهذه القصائد يشعر كما لو أنه يقرأ لشعراء كونيين وشعر ينتمي لمجرتنا لا لجغرافيتنا، النزوع للبعد الإنساني والتحرر من الإرهاصات المحلية ينقلنا إلى بيئة الشعر الحقيقة. ربما يرى البعض في التحرر مشاكسة وانا أتفق مع المعنى العام للجملة ولكن التحرر في كتابة الشعر هو أرقى أنواع المشاكسة الحداثية، هو الوقوف في مساحة النبوءة والتجلي، وهذه هي قدسية الشعر حينما يمر على إنسانيتنا وينشئ معادل جمالي يتجاوز الصيرورات المعرفية المرتبطة بأيديولوجيات المجتمع.

النزعة النقدية: امتازت الجملة الشعرية بلغة الرفض واسقاط المعادل الموضوعي لمفاهيم قسرية مشرعنة ضمن نواميس اجتماعية ودينية وحتى وثنية، وكانت القصيدة الومضة جريئة بما يكفي لتدوين حالة الانكسار النفسي والمفاهيمي الذي يتعرّض له الإنسان ضمن معادلة القبيلة والطائفة والاثنية، ويمكن وصف لغة القصيدة بشكل عام باللغة الناعمة التي تمضغ إحساس الثورة والرفض لواقع يتجاسر على حقيقة آدمية الإنسان.

التحرر من الأيديولوجية: وانت تمر على سطور المجموعة حتى آخر سطر لن تجد شيء يؤسس للأدلجة، سواء كانت سياسية أو دينية أو إثنية، وهذه من نعم الشعر، حينما يؤدلج الشعر يتحول إلى مرثية سياسية. الشعر يتشكل ضمن الانسنة، حيثما الإنسان الباحث عن تعريف إنسانيته وآدميته.

التحرر من الوجودية: نعمة أخرى استطاعت الشاعرة أن تترجمها في جملتها الشعرية، الانحياز للحياة دون تقمص وجهة النظر التي تفلسف الوجود من خلال الآخر، التصالح مع الإنسان لا مع حكاية التكوين، لأن الإنسان هو الحقيقة وهو المقصود في تشكيل الجملة الشعرية. الجملة الشعرية ابتعدت عن مغامرة طرح الأسئلة، الجملة الشعرية انشغلت بتأثيث تفاعل الإنسان مع ذاته، مع حواسه، مع كيفية تعريف آدميته ضمن حكاية اسمها الحياة.

أناقة اللغة وموسيقيتها: تميزت الجملة الشعرية في هذه القصائد إضافة لجرأتها، تميزت بأناقتها وشحنتها الموسيقية العالية، لم نمر على جمل معقدة التركيب ولا موغلة في نحوية عقيمة، أنا شعرت كأنني جالس في حفلة موسيقية لا أريد للعزف أن يتوقف.

في قصيدة اشتباكات تمر نازح أقرأ وأتأمل مجموعة جمل شعر ينتهي بالموسيقى

o تتضرع للمولى بانكسار

o أهلوس بلغة الأمعاء الخاوية

o الأذن والعين لصّان تحالفا على الوشاية .... والفم المسكين محكوم بالقُبل

هذه هي اللغة التي تشكل مجرة الشعر الكوني الذي يتواصل مع الإنسان المنتمي لإنسانيته قبل جغرافيته وتاريخه.

لغة الشاعرة ميمي أوديشو سلسة ومفعمة بالموسيقية، لغة شفافة تتشظى في الأسماع لا بدافع التعتيم بل محاولة تشكيل واستثارة، تحفز الركود لتبني التساؤل، تتوائم وكثرة الاستفهامات لتنتج الصورة الغنية بالمعنى، تتعالى عن رتابة الصياغة، المفردات اللغوية غاية في الغنى الدلالي والجمالي.

الكثافة اللغوية (الشعرية): في تشكيل الصورة المجازية، حين ما تكون المفردة اللغوية منسوجة ضمن وحدة الثيمة وترتقي بإيقاعها تصاعديا تعكس الحنكة والبراعة في تدوين المعنى الجمالي ضمن حدود الصورة المجازية، كل ومضة شعرية ضمن القصيدة الطويلة هي صورة مجازية مكتملة.

الكثافة اللغوية (السردية): بقدر جموح اللغة في شعريتها من خلال اتكائها على المخيال الذاتي لرسم حالة معرّفة، وأقصد هنا بناء فكرة الحدث، الحدث في الومضات الشعرية كان يتشكل ضمن معرفة ذات دلالة واضحة، وهذا ما بدا جلياً في تدوين صورة التناغم العاطفي والنفسي والإرثي مع نوازع الفعالية الإنسانية سواء كان إحداثي إيجابي او سلبي. أعود إلى الكثافة اللغوية السردية. في الومضة الشعرية التي عرّفت نفسها على أنها صورة مجازية واحدة كانت الشاعرة تميل للسرد في تتابع الجمل الشعرية، السرد يعرّف على أنه نسيج لغوي تدويني، في الشعر يأتي السرد ضمن بنية الصورة الشعرية ويعمل على ضبط حركة الفعل اللغوي أثناء عملية تشكيل الجملة الشعرية، إذا كان الحدث يتماهى مع عامل الزمن نجد السرد يشتغل على ترانيم الأبعاد الثلاثة (الماضي والحاضر والمستقبل)، إذا كان الحدث يتشكل صمن جغرافية مكانية فالسرد يعمل على تأثيث المفردة بدلالتها.

لو قرأنا هذه الومضة الشعرية التي تكتنز صورة مجازية مكتملة من قصيدة (تراويح سعف مصلوب- المقطع 109) ...........

سأصنع من جثث الأطفال مِقصاً

وأقص لحية الخالق

وأعاقبه بالنفي لبيوتِ العبادة

لأنهُ انتحل صِفة الرحمة

والعدالة

وبكلام آخر يمكننا القول أن السرد هنا يسهم في تشكيل ملامح الحكاية، الأفعال الثلاثة (سأصنع، وأقص، وأعاقب) هذه مفاتيح الحكاية التي ولدت في رحم الصورة الشعرية. ويتكرر السرد في الكثير من الومضات. إنما ضمن حدود السرد الشعري الذي تمارسه القصيدة الحديثة في الكثير من الأحيان.

الرمز في تشكيل الصورة المجازية

للوهلة الأولى وأنت تمر على كلمات العنوان الأدبي لهذا العمل الشعري تجد نفسك امام تحدٍ رمزي مقصود، وهنا أشير إلى (لُحى محنّاة بطمث النكبة)، في الحقيقة أقرأ هنا جملة معرّفة كاملة فيها أربع كلمات تتكئ على أربعة رموز معرّفة الدلالة، وأقصد بالدلالة هنا المعنى المختزن في الذاكرة المعرفية، فاللحى دال والحنّاء دال والطمث دال والنكبة دال، وتشابك هذه الدلاليات ينسج لنا المدلول المقصود. ربما يدرك الكتاّب والشعراء تحديداً أكثر من غيرهم ما يعنيه الرمز في مغامرة الكتابة. بالنسبة للدارسين والمهتمين بتحليل النص الشعري يعتبر الرمز من أهم العناصر التي تسهم في تشكيل الصورة الشعرية لما يكسبه من أبعاد فنية تتجلى من خلاله رؤية الشاعر الخاصة اتجاه الوجود.

وهنا أود الإشارة إلى كيفية تجسيد الرمز ضمن البناء الفني للقصيدة، هناك على الأغلب مدخلين لتناول الرمز اما غاية أو وسيلة، وفي كلتا الحالتين الشاعر هو من يقرر أيهما الأنسب لكتابة قصيدة تبحث عن وجود، لأن كل شيء في فعل الكتابة مقصود، ومن يقول أن الكتابة فعل غير مقصود إنما يعرّف مفهوم العبث. دعوني أعود لمداخل تأسيس الرمز في القصيدة حتى نستطيع أن نقوم بمحاولة إكتشاف أو تسمية الرمز في هذه المجموعة الشعرية.

يستخدم الرمز كغاية حينما يكون هناك توجس، أو فلسفة خاصة للوضوح، وتفقد القصيدة الكثير من حريتها حينما ترغم على تبني مفاهيم الترميز لأجل الترميز، الرمز حينما يكون غاية في كتابة الشعر يسجن الشعر بعيداً عن انسانيته، هناك فلسفات تدعم هذا التوجه وقد يكون لها مبررات إنما الحقيقة الأكيدة التي تعّرف ماهية الرمز في الصورة الشعرية هي تدعيم المفهوم الجمالي والفلسفي للقصيدة وهذا يتحقق بنسبة عالية مع الرمز ذو الدلالة الوظيفية.

يستخدم الرمز كوسيلة إذا كانت البيئة المعرفية للرمز معرّفة، كيف؟

حينما تظهر صورة الرمز كمعنى في الثقافة المجتمعية لمجموعة من الأشخاص يشتركون في المكان والزمان واللغة، يكون من السهل استخدام هذا الرمز للتدليل إلى مفهوم أكثر عمقاً وشمولية، وعلى سبيل المثال الطمث كرمز معرّف في الثقافة الإنسانية وبالتالي توظيفه كوسيلة لتعريف حالة معينة فيه جمالية وعمق وقصدية. أي الرمزية حينما تكون وسيلة تعبر عن حالة معرفية رصينة، لكنها تختزن توجساً، التوجس تفرزه فلسفة توظيف الرمز.

في هذه القصائد كانت هناك إشارات كثيرة للرمز وفي أمكنة مختلفة، وكانت هناك قصدية في استخدام المفردة المرمزة، كمفردة (الرب)، وما تعنيه في التأويل المجتمعي والإرثي....

ربٌ على الأرض خيرٌ من أرباب في السماء..... هنا كانت مفردة الرب مفردة رمزية معرّفة، وكانت وسيلة لترجمة الفعل الشعري في الجملة.

مفردة (الصليب) هي الاخرى رمز معرّف ...

يسجنون صليبي بين هلالين ... ويقولون عني ( أقلّية).

بشكل عام استطاعت الشاعرة أن تتعامل مع الرمز بحرفية عالية، فهي لم تأتي برموز خارج سياقها الدلالي، بل كانت حاذقة في اختيار المفردة الرمزية ذات المرجعيات التأريخية والنفسية، على سبيل المثال مفردة الحنّاء وما تعنيه في الثقافة المحلية والمثيولوجية، مثل هكذا مفردات تنعش الصورة الشعرية وتتناغم مع ذاكرة المتلقي وتحقق الغاية المرجوة من وظيفة الشعر.

بشكل عام كانت الرموز إضافة فاعلة في جسد الومضة الشعرية.

د.عزيز التميمي

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
يعملون في عيدهم.. 1 أيار "يوم بلا فرحة" لعمال العراق
التغير المناخي "يُهجّر" 100 ألف عراقي من مناطقهم
مداهمات واعتقالات في جامعة كولومبيا.. والسبب غزة!
كيف أصبح الأول من مايو عيداً لعمال العالم؟
بعد سنوات من التعثر، هل ينجح العراق في إنجاز طريق التنمية؟
ردود فعل حادة بعد إقرار "قانون المثلية الجنسية" في العراق
تهنئة من الاتحاد الديمقراطي العراقي
ندوة اللجنة الثقافية في الإتحاد الديمقراطي العراقي في كاليفورنيا
البرلمان العراقي يمرر قانونا يجرم "المثلية الجنسية"
في عيد امنا الأرض، أطفالنا في خطر
مقتل نجمة التيك توك العراقية "أم فهد" بالرصاص في بغداد
انتفاض الطلاب الجامعيين ينتقل من جامعات أميركا إلى باريس، رفضاً للسياسة الأميركية تجاه الفلسطينيين وقطاع غزة
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة