الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
محطة قطار براماتا , التعميد بالكلمات
الأربعاء 31-12-1969
 
جواد صيداوي
 الرواية الأولى عمادة بالكلمات. يلقي الكاتب بنفسه في الماء. قفزة حاسمة تحكم مصير كتابه فإما الابداع او الطريق المسدود. لذا ينبغي لنا ان نتفحص بدقة التجربة الروائية الأولى للشاعر والناقد العراقي عبد اللطيف الحرز «محطة قطار براماتا» الصادر حديثاً عن «دار الفارابي» في بيروت.
براماتا هي احدى محطات القطار في مدينة سيدني الأوسترالية حيث انتهى التيه بالعديد من اللاجئين العراقيين. الموضوع الرئيسي في الرواية محنة العراق. محنة العراق داخلياً وفي بلدان الشتات، بدءاً من المجزرة التي ارتكبها نظام صدام حسين للقضاء على انتفاضة سكان الجنوب العراقي في مستهل العقد الاخير من القرن الماضي. وكانت منطقة الأهوار التي ينتمي اليها أشخاص الرواية هي الاكثر تضرراً إذ لم يكتف الجيش البعثي بقتل عشرات الألوف من سكان الجنوب، بل عمد ايضاً الى قتل الأرض فقطع موارد المياه وجفف الأحواض وأتلف الزرع «فجفَّ الماء.. مات الجاموس... رحل المعدان... تبعثرت مجموعات الشباب المجاهدين، في الأهوار، ضد حكومة حزب البعث وصدام حسين» (ص 13).خطّ دائري: تسير حوادث الرواية في خط دائري نقطة ارتكازه محطة قطار براماتا. ينتظر الكاتب القطار الذي لا يأتي. المحطة شبه خالية. لا أحد سواه وسوى الشرطي الذي يخبره بأن القطار تأخر بسبب أعمال الصيانة فينطلق «قطار الذاكرة» تباعاً نحو حرب الأهوار، ومراحل التيه ومحطاته. وبعد الحديث عن كل مرحلة من تلك المراحل وعن معاناة اللاجئين العراقيين، يعود بنا الى محطة براماتا لكي يقارن بين سير الحوادث وما آلت اليه حاله في مدينة سيدني، وفي محطة القطار حيث يعود الى تهويماته والذكريات، في سياق متماسك وبراعة ذكية في السرد.تتناول المرحلة الاولى من ذكريات الكاتب القتال الشرس في منطقة الأهوار وما نتج عنه من هجرة أعداد كبير ة من السكان والمقاتلين وغالبيتهم من الشيعة الى ايران اولاً لقرب منطقة الأهوار منها، كذلك بسبب وحدة المذهب: «إنكفأ الشبان الذين كانوا يقاتلون مرتزقة صدام حسين الى مجموعات تمارس الرياضة الصباحية في معسكرات تابعة للجيش الايراني، فيما انضمت مجموعات اخرى الى الحوزة لدراسة العلوم الدينية» (ص13). وكان على تلك الجماعات ان تتقيد بنمط السلوك الخاضع للأحكام الدينية المعمول بها في الجمهورية الاسلامية الايرانية «فلا مجال لسماع أغاني فيروز عن مواعيد الحب والشتاء والبحر، ولبعض السمفونيات الكلاسيكية الهادئة... دولة تخاف من وتر العود، لماذا نستغرب ان تجوّع الشعب كلّه من أجل التسلح النووي والعسكري» (ص 18). لكن الاحكام الدينية، على شدتها، لم تكن لتحول دون قيام بعض اللاجئين العراقيين بالاشتراك مع مواطنين ومواطنات إيرانيين بتجارة المخدرات وتهريب الكحول وحتى البغاء. لم تكن الإقامة في ايران لتنسي اللاجئين العراقيين مأساة وطنهم ومصيره. يقول الكاتب لصديق له يشاركه تلك الحياة البائسة في مدينة قم الايرانية: «هل تصدق أنني أتخيل، في بعض الاحيان، انه سيتم سقوط صدام حسين فتشيد الأحزاب الشيعية دولة دينية»؟ يجيبه الصديق قائلاً: «بالتأكيد سوف أنتحر... كم سيكون التاريخ مجرماً لو سمح للتجربة الخمينية ان تتكرر... لو أقام الشيعة دولة دينية في العراق، أو في أي بلد آخر، فان هذا يعني ضرورة حجز الشيعة في محاجر للأمراض العقلية» (ص16).أحزان الزمن: ثم يعود بنا الكاتب الى محطة القطار: «تهاويت على مقعد المحطة وكأني تدحرجت من جبال حدودية في رحلة تهريب في تركيا او الشمال العراقي... طاف بي الزمن وعام حزني فوق تلاطم أمواج الذكريات والهواجس والإحساس بالهزيمة الكاملة» (ص21). هكذا يستمر السياق الروائي متراوحاً بين محطة القطار والذكريات الموجعة الى ان يصل بنا الى عراق ما بعد صدام، عراق الاحتلال الاميركي، وأقطاب المعارضة العائدين في الطائرات والدبابات الاميركية والنهب العلني للمال العام على يد من بوّأهم الاحتلال الاميركي مناصب رفيعة واستفحال الأدوار السياسية لرجال الدين: «صدام حسين ليس عدونا الوحيد... صدام حسين ليس رجلاً واحداً فقط... صدام حسين يمثل ممارسة، وهذه الممارسة أحد محترفيها هم قادة المعارضة أنفسهم، أنظر كيف تحول المجلس الأعلى للثورة الاسلامية الى كرسي محتكر، متعال، يُتناقل بالوراثة» (ص45). «العراق الآن عبارة عن جزيرة بدائية، لا يعيش فيها إلا من كان حادّ الأنياب، أنياب كبيرة وحادة مثل الخنجر».نعود في آخر الكلام الى أوله لنسأل: كيف خرج عبد اللطيف الحرز من العمادة بالكلمات؟ أهو إبداع أم فشل؟ لسنا ممن يجاملون في مجال النقد. رواية «محطة قطار براماتا» هي كما ذكرنا آنفاً العمل الروائي الاول لشاعر وناقد عراقي. رواية شائقة، متقدمة، يغلب الانفعال احياناً على بعض مفاصلها ويأخذنا ما نقرأ فيها من سخرية حادة، شرسة، ممهورة بأسماء صريحة ووقائع حقيقية، ما يجعلها رواية وثيقة ذات اسلوب رشيق، شفاف، يلامس في عنقه ولينه حدود الشعر.
كتابات

 
   
 


اقـــرأ ايضـــاً
التجارة الأوكرانية: العراق تعاقد مع شركة وهمية لتطوير حقل "عكاز الغازي"
امرأة عاشت قبل 75 ألف عام بالعراق.. اعادة تكوين رأس "شانيدار زد"
مؤرخة أميركية: ما تشهده الجامعات غير مسبوق "منذ حرب فيتنام"
يعملون في عيدهم.. 1 أيار "يوم بلا فرحة" لعمال العراق
التغير المناخي "يُهجّر" 100 ألف عراقي من مناطقهم
مداهمات واعتقالات في جامعة كولومبيا.. والسبب غزة!
كيف أصبح الأول من مايو عيداً لعمال العالم؟
بعد سنوات من التعثر، هل ينجح العراق في إنجاز طريق التنمية؟
ردود فعل حادة بعد إقرار "قانون المثلية الجنسية" في العراق
تهنئة من الاتحاد الديمقراطي العراقي
ندوة اللجنة الثقافية في الإتحاد الديمقراطي العراقي في كاليفورنيا
البرلمان العراقي يمرر قانونا يجرم "المثلية الجنسية"
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة