الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
مكي البدري : الفنانون الرواد .. منسيون !!
الأربعاء 31-12-1969
 
عبدالجبار العتابي بغداد:
حين سألته كيف حالك ؟ قال : ( مثل السدانة بالماي) وراح يشرح لي المعنى : السدانة والسد والواوي اواني يستعملها القرويون منذ زمان مصنوعة من الطين المجفف لخزن المواد الغذائة كالطحين والرز والملح ، والسدانة تشبه (الحِب) المقلوب لها فتحة في الاعلى ،
تصور حالها في الماء !، انه مكي البدري .. الفنان الرائد.. الذي يحمل على عاتقه اكثر من (82) عاما ومازال يأتي الى دائرة السينما والمسرح ، مازال يدخل الوسط الفني بتلك الروحية التي تثير في الاخرين الامل والتفاؤل ، يريد ان يعطي ويتمنى ان يعطي على الرغم من العوائق التي يجدها امامه ومنها ظروف العمروحياته التي تعرضت الى اخبار مؤسفة عن اخيه واخته اللذين رحلا وتعطل لأسابيع عديدة عن الحضور ، لكنه عاود ذلك ، تشعره ما زال ذلك (الحارس) الذي ادى شخصيته في الفيلم السينمائي قبل سنوات طويلة ، مكي البدري الفنان الرائع اجرينا معه هذا الحوار الموسع.*اين انت الان ؟- في دوامة الخبز ... بعد ان نسينا الجميع وكأننا لم نكن ولم نقدم اعمالا كانت في حينها جيدة جدا وكأننا غادرنا البلد ولا نعيش بين ناسنا وزملائنا واولادنا.*من نسيكم.. كما تقصد؟ـ الذين يعنيهم الامر سواء كانوا موظفين مهمين من اهل المسرح او مخرجين او زملاء ممثلين*لماذا برأيك؟ـ هناك مصلحة وهناك فلوس في الوقت الحاضر، ولا احد يشتغل مجانا، وانما عندما ينتفع الشخص الفلاني من الشخص الفلاني فانه يتذكره على طول، اما ان كان ليس هناك نفع او انه قليل جدا وخصوصا ان كان معنويا فقط، فالشخص هذا غير مهم مهما كانت منزلته وعلاقته بالشخص الاخر. *اذن.. اين هي قيمة الفنان؟ـ كان هذا ايام رجولتنا واقصد بذلك عمر الرجل عندما يتعدى الثلاثين، حيث كانت له قيمة كبيرة وقد كان لا يبحث عن المادة اطلاقا وانما الدافع الفني الذاتي هو الذي يدفعه للعمل، وكنا في مرحلة ما نعمل مجانا وجميع احتياجات المسرح من اكسسوارات وملابس نجلبها من بيوتنا، اما الان فالمادة هي الاساس .*اين الخلل في الاشخاص ام الفن؟ـ الزمن تغير، النظرة الى المسرح تغيرت، حاجة الانسان الى المادة هي التي دفعته الى هذا المسار، انا ما اذكر في حياتي السابقة ان سمعت من احد الفنانين سواء الذي يعمل امام الجمهور او خلف الستارة ان ذكر شيئا عن الاجور اطلاقا ، لاننا كنا نعتبر هذا عيبا ومن جاء من اجل المادة ليس فنانا.*ولكن يقال ان الفنانين الرواد ليست لديهم قدرة على الابداع؟ـ الفنان لا يتقاعد الى ان يموت ونحن لازلنا احياء والحمد لله والقدرة مستمرة وبأي شكل من الاشكال هناك طاقة وجهد وتفاؤل وهناك يقين بالنجاح، فلا يوجد حد زمني فاصل بين هذا يقدر يعمل وهذا لا يقدر ان يعمل الا في حالات المرض وهذه مسألة معروفة، فالمريض لا يقدر ان يعمل كالانسان صحيح الجسم .*ويقال ايضا ان الفنان الرائد ليس لديه قدرة تحمل الظروف الحالية؟ـ الفنان الرائد يتحمل الحر والبرد والعوز والظروف المناخية وغير الطبيعية ومادامت هناك رغبة في دخيلة الانسان فانه يتجاوزها كلها.*ما الذي يعجبك في الوسط الفني الان؟ـ الطبقة الجديدة من الشباب وتوثبهم للعمل الاجود وكذلك الطرق الحديثة والاعمال الجديدة التي يقدمونها بين فترة واخرى وهي تختلف عما كنا نقدمه نحن سواء في طريقة الاخراج او المحتوى الادبي للنص.*بماذا تختلف؟ـ كانت الاعمال السابقة تقليدية، على الطريقة التي تعلمناها على ايدي اساتذتنا والان عنصر التغريب موجود في كل نواحي العمل المسرحي.*هل التغريب افضل من التقليدي؟ـ لا اعرف.. ولكن اسأل المتلقي وهو الذي يجيبك عند مشاهدة اي عمل تغريبي!!*هل تستمتع في مشاهدته انت؟ـ مرات ارى فيه متعة جديدة ومرات لا افهمه ولا افهم ماذا يريد المخرج ان يقول عندما يقدم عمله على طريقة الحداثة.*انت ضد او مع هكذا اعمال؟ـ عندما افهمه اكون معه وعندما لا افهمه اكون ضده.*ما الذي لا يعجبك في الوسط الفني الان؟ـ الاعمال قليلة جدا والرواد قليون جدا وهذا خارج عن صدد امكانية الفن لان الظروف القاسية تلعب دورا كبيرا في عدم ارتياد الجمهور للمسرح، والذي اتذكره سابقا عندما كانت فرقة المسرح الحديث تقدم عملا كان المشاهدون يأتون لمشاهدة العرض من كربلاء والحلة والنجف والكوت وبعقوبة وكل الاماكن القريبة من بغداد، اما الان.. فلا!!* هل تشعر انك محبط؟ـ اشعر باحباط.. طبعا، بسبب شعوري انني انسان مهمل او يقفز الى ذهني انني اصبحت عديم الفائدة وخير لي ان اعتزل واتقاعد لان لا امل لي في تقديم عمل نافع الى الناس وهذه افكار عابرة.. عندما افيق الى نفسي ارى انني لم اتغير وانا مازلت ذلك الفنان الذي يتوق الى ان يقدم شيئا جيدا للناس.*بصراحة.. هل ندمت على دخولك الفن؟ـ لا.. فانا احببت الفن وانا صغير السن عندما كنت اشاهد الاعمال التي تقدمها المدارس وبعض ما تقدمه الفرق الاهلية التي تزور بلدتي (العمارة) وكذلك كانت دار المعلمين العالية في عطلة نصف السنة تجوب غالبية المدن لتقدم مشاهد واعمال مسرحية متكاملة غالبيتها تربوية ووطنية، كما كانت تصطحب معها لوحات فنية من التشكيل لتقيم معرضا مصاحبا لعملها المسرحي، هذه المشاهدات والمغامرة في دخول قاعة المسرح من الشبابيك على الرغم من مطاردة الشرطة لنا، وهذا جعلني اتعلق بالمسرح انا ومجموعة من لداتي حيث كنا نعيد تمثيل قسم من المشاهد التي استوعبناها اضافة الى هذا كنت منذ صغري اقرأ القصص وخصوصا الفلكلورية مثل تغريبة بني هلال وعنترة العبسي وفيروزشاه والف ليلة وليلة وسيف بن ذي يزن وغيرها مما لا اتذكره، لذلك انا لم اشعر بالندم لاننا عندما كنا نقدم عملا مسرحيا ويهنؤنا الجمهور فشعرنا بالفخر ويزداد تعلقنا بالعمل المسرحي الذي قدمناه ، وفي السنوات الاخيرة.. صرت احيانا اشعر بالندم عندما يصيبني العوز المادي وكان بامكاني ان استمر في اعمال كنت قد بدأتها كمشروع محل الصياغة ، فأرى ان عملي الفني الذي مارسته هو ضياع في حين غيري قد اثرى واصبحت احواله الاقتصادية فوق الممتاز، فعندما تحدث المقارنة بيني وبين هذا الشخص اتألم ويصيبني نوع من الندم.*هل تفتقد حاليا فنانا معينا وتتمنى ان يكون معك الان؟ـ اي والله..!! (قال هذه الكلمة ثم احسست به يغوص في الكرسي الذي يجلس عليه، ويشيح بنظره عنه.. ثم تكلم بصوت خافت شجي): اتمنى ان اقعد مع طعمة التميمي ، لانه كان يمتلك من الطيبة لو وزعت على كثير من الناس لكفتهم اضافة الى ثقافته الفنية وتصرفه كفنان حيث هو يمتلك الكثير.. الكثير من مقومات الفنان، وكذلك طه سالم.. فهو قريب علي بعيد عني في الوقت ذاته، فانا اعرف اين بيته ومتأكد انني لو ذهبت اليه يرحب بي بشكل ممتاز لانه زميل قديم وصديق العمر ولكن الظروف الحالية باعدت بيننا، وكذلك اشتاق الى قاسم حول الذي غاب بديار الغربة ومنير امير وشاكر فارس والمرحوم احمد المفرجي.*لم تذكر ممن تفتقدهم وتشتاق اليهم اية امراة لماذا؟ـ لم اجلس كثيرا مع نساء، واللقاءات مع الفنانات كانت عابرة لمجرد وقت العمل القصير، ربطتنا الزمالة وليست الصداقة .*ما النقطة المضيئة في حياتك؟ـ انني كنت مخلصا مع نفسي ولعملي.*ما العمل الذي جعل الناس يعرفونك من خلاله؟ـ ما كان عندي هذا الاحساس، فكلما تعمل اكثر يتعرف عليك الناس.*ما الاعمال التي قدمتها ومازالت على طرف ذاكرتك؟ـ مسرحية (فوانيس) قدمتها عام 1967 وكان فيها نوع من الغرابة وليست كالكتابات التقليدية واديت الشخصية بشكل جيد وكذلك فيلم (الحارس) الذي اديت فيه دور البطولة وقد اثار انتباه المشاهدين وكتبت عنه الصحف كثيرا وحاز على جائزة في مهرجان قرطاج.*ما الذي تتمنى من الاخرين توفير للفنان الرائد؟ـ ان يتيحوا له الفرصة بالعمل مما يريحه مع ملاحظة الزمن وكبر السن والشخصية التي تلاءم سنه.*ما شكل انتمائك لدائرة السينما والمسرح؟- على العقد حاليا وليس تعيينا، فانا متقاعد كمدرس في وزارة التربية حيث كنت اعمل مسؤولا لقسم التمثيل بالنشاط المدرسي في وزارة التربية.*أليس لديك انتماء للفرقة القومية للتمثيل؟ـ لا، وسبق لي ان قدمت ثلاثة طلبات في السنوات السابقة فرفضت بدون ان يذكروا السبب!!*ألم تسأل عن السبب وانت فنان معروف؟ـ اسأل من في السابق؟! لا يوجد سؤال، ولكن حاليا تساءلت فقال لي احدهم (انت متهم بانك شيوعي!!) هذا الذي قاله.. اما السبب الحقيقي فلا اعرفه.*اذن .. كيف كنت تعمل في المسرح؟ـ كنت انتمي الى فرقة اهلية اسمها (الشعلة) التي انطفأت وماتت بوقتها وكان رئيسها ابراهيم الخطيب الله يذكره بالخير وبعد ذلك انتميت الى فرقة مسرح (اليوم) التي تركتها فيما بعد لان العوز المادي جعلني اتجه نحو الاعمال التي تدر علي ما يسد علي عوزي، اعمل علب الهدايا وديكورات لمحال الصياغ وكنت قد تركت الفن خلال الثمانينات والتسعينيات.*ما الذي تركه في نفسك عدم انتمائك للفرقة القومية؟ـ ترك ألما في داخلي وغصة كلما رأى الناس يتكلمون عن اعمالهم وسفرهم الى الخارج واتساءل لماذا حرموني من كل هذا؟ لا ادري السبب.. فهل هو عداوة.. ولكن ليس لي عداوة مع احد.*كم مرة صعدت على خشبة المسرح الوطني لتؤدي عملا مسرحيا؟ـ مرة واحدة فقط في مسرحية (انتبه.. قد يحدث لك هذا) للمخرج محسن العزاوي قبل اكثر من عام ، وكنت اتمنى ان يكون هذا من زمان.. أليس المسرح هو البيت الثاني للفنان.*ما هو المسرح؟ـ انه كل شيْ.. الفلسفة والثقافة، انه قاعة محكمة تحل بها المشاكل ، المسرح نقد بناء، احداث جديدة لم تمر عليك في حياتك، المسرح يناقش مشكلة من مشاكلك التي وضعتها على الرف المسرح.. افاضة وعلم وفن.*هل فعلا ان للمسرح تأثيرا في الناس؟ـ طبعا.. له دور مؤثر حتى في المسرحيات الكوميدية الصغيرة، انه يعالج مشاكل الناس ويثقفهم ودوره كبير، ولكن الان.. الناس لا تزور المسرح، فلا تأثير له، رواد المسرح قليلون جدا ويعدون على اصابع اليد الواحدة مثلما حدث في المسرحية التي قدمناها ، هو غير مؤثر الان.. ولكن عندما ترجع العافية اليه فحتما سيكون له تأثيره الكبير.*ما خلاصة فلسفتك عن الحياة؟ـ الحياة لذيذة.* ما الكلمة التي يمكن ان توجهها لمن تشاء؟ـ اقول للجميع في العراق : تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان، واقول ايضا لاهل الفن.. انا لا اكره احدا، لا اكره انسانا مهما كان ولكنني اكره اعماله السيئة

 
   
 


اقـــرأ ايضـــاً
التجارة الأوكرانية: العراق تعاقد مع شركة وهمية لتطوير حقل "عكاز الغازي"
امرأة عاشت قبل 75 ألف عام بالعراق.. اعادة تكوين رأس "شانيدار زد"
مؤرخة أميركية: ما تشهده الجامعات غير مسبوق "منذ حرب فيتنام"
يعملون في عيدهم.. 1 أيار "يوم بلا فرحة" لعمال العراق
التغير المناخي "يُهجّر" 100 ألف عراقي من مناطقهم
مداهمات واعتقالات في جامعة كولومبيا.. والسبب غزة!
كيف أصبح الأول من مايو عيداً لعمال العالم؟
بعد سنوات من التعثر، هل ينجح العراق في إنجاز طريق التنمية؟
ردود فعل حادة بعد إقرار "قانون المثلية الجنسية" في العراق
تهنئة من الاتحاد الديمقراطي العراقي
ندوة اللجنة الثقافية في الإتحاد الديمقراطي العراقي في كاليفورنيا
البرلمان العراقي يمرر قانونا يجرم "المثلية الجنسية"
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة