الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
هل يتحول الكتاب بين ايدي الجيل الجديد الى نثار للريح؟
الأربعاء 31-12-1969
 
اسماء محمد مصطفى
ذات مساء ، او ذات صباح ، لافرق ، استلقى كتاب مجهول على احد الارصفة بحزن قبل ان يستحيل الى نثار للريح ... اطلق زفرة حين اقتلعت صفحة منه وتحولت الى لفافة احتضنت شطيرة تناولها صبي لم يسمع حتى نحيب الكتاب التائق ليحمله ويتصفحه

بدلا عن تركه يشكو النسيان والوحدة على الرصيف في زمن ضائع من عمر ذلك الصبي .. زمن لم يستثمره في قراءة نافعة تمهد له الطريق الى الثقافة التي تلعب دورا مهما في تكوين شخصيته .. من هنا جاء السؤال : كيف نربي الجيل الجديد ثقافيا ليتمكن من قيادة المجتمع لاحقا ؟ الأمر يتدخل فيه الكتاب واشياء اخرى ..الكتاب واشياء اخرىالثقافة تتيح للانسان ان يعبر عن نفسه بوضوح ودقة .. انها تصقل افكاره .. تفتح له آفاقا جديدة .. تساعده في صنع القرارات ومواجهة الصعوبات ..يشكل الكتاب شمعة من شموعها .. تلك الشمعة التي تضيء طريق الانسان نحو الثقافة المقرونة بيقظة الضمير وحضور الوجدان ..تقول المدرسة ضحى مهدي التي تعمل في مدرسه ثانوية :ـ يجب ان نعلم صغارنا اولاً ان الثقافة ليست الألمام بما تحتويه الكتب من معارف فقط وانما هي ايضا السلوك الحضاري الذي ينم عن وعي ، هذا السلوك تغرس بذورَه العائلة والمدرسة ووسائل الاعلام وفي مقدمتها الفضائيات .. كل تلك العناصر الثلاثة يجب ان تقرب الكتاب الى قلب الطفل وليس اشغاله عنه ..عند بائع الكتب حفظت في ذاكرتي كلماتها حين حثثت الخطى الى اقرب سوق اجد فيه باعة الكتب .. سوق الباب المعظم .. هناك التقيت بعبد الرزاق احمد، الشاب الذي غادر مقاعد كلية اللغات خريجا وافترش رصيف السوق بائعا للكتب بعد ان يئس من التوظف في مؤسسة رسمية.. سألته ان كان يقرأ شيئا مما يبيع ؟ اجاب بنعم بينما كانت رائحة السمك الني المعروض للبيع هناك تتوغل الى انفي وتصيب رأسي بالدوار .. وبدت مفارقة ان تفترش تلك الكتب رصيفا تتوزع عليه الاوساخ ومخلفات المياه الثقيلة .. تركت افكاري بهذا الشأن جانبا واستمعت الى عبد الرزاق وهو جالس تحت مظلة تقيه اشعة شمس الظهيرة .. قال ان الذين يترددون عليه لأقتناء الكتب هم عادةً ممن تجاوزوا العشرين من العمر ( والذين تحت العشرين اين هم من ذلك ؟ ) لكن بعضا من اولئك لا يقتنون الكتب لقراءتها وانما لتزيين مكتبات بيوتهم بها ! ( ليس ذلك نتيجة تربية ثقافية بالتأكيد ) . اما اسعار الكتب فهي مناسبة .على مقربة من البائع الشاب وقف صبي اسمر يبيع السكائر ، كان يسترق السمع ، سألته عن حدود قراءاته ، اجابني قائلا : ـ ليس لدي الوقت لأقرأ فأنا اقضي نهاري بالعمل هنا . صمت َ لحظات ثم نظر اليّ مستفسرا :ـ ولماذا اضيع ما احصل عليه من مال في شراء كتاب ؟! الافضل ان اعود بربحي الى عائلتي .بدا في عيني الصبي تطلع يكاد يلحظ ، لشيء ما خشيت عليه من الانطفاء ، فزحف على قلبي سؤال : كيف سيكتسب هذا الصغير ، ومن مثله ،المفاهيم الصائبة ، كيف سنعوده على اكتساب المعارف بل على اقتناء مفردات التعامل اليومي اللائقة ؟!سؤالي قادني الى احد اختصاصي علم النفس التربوي ،وقد قال ان الاطفال والاحداث طاقة متحركة لهم القدرة على التعلم وتقييم ما يتعلمونه ويحفظونه ويربطونه بتجاربهم السابقة وتوقعاتهم عن المستقبل مثلما لهم القدرة على اتخاذ القرارات حول ما يريدون فعله . ولكي تترعرع شخصية الطفل ترعرعا كاملا متناسقا يجب ان ينشأ في بيئة عائلية مستقرة ، لكننا نجد احداثا يمارسون اعمالا في الشوارع ويختلطون بأشخاص من اعمار متقدمة وذوي سلوكيات مختلفة فيتعلمون منهم عادات سيئة قد تؤثر عليهم وينقلونها الى زملائهم في المدرسة .ان تربية اولئك الاطفال الباعة ثقافيا اصعب بكثير من بناء شخصيات مكتملة ثقافيا لأطفال يعيشون ظروفا افضل .يقرأ ... ولايقرأتركت الصبي منشغلا بعمله ، وحملت سؤالاً الى مجموعة من الفتيان : هل تطالعون الكتب ؟ظهر بينهم من لا يقرأون ، لأسباب متمثلة وكما ذكروا : ( لاوقت لدينا للمطالعة ، الفضائيات تشغل وقتنا ، لنقرأ كتبنا المدرسية اولاً ، المفخخات تؤثر على استيعابنا ، الوضع الامني يشغل بالنا ، لااحد يشجعنا على المطالعة ، نحن مشغولون بالركض وراء لقمة العيش .. ) لم تكن كل الاجابات سلبية ، اذ وجدت من يقرأ ون وأن كانوا قلة ، وتختلف نوعيات قراءاتهم ..سهاد عباس طالبة جامعية في الحادية والعشرين من عمرها تقرأ الروايات فقط ، وهي تحصل عليها من مكتبة شقيقها الاكبر بينما لايميل اخواها البالغان من العمر ستة عشرة وسبعة عشرعاماً الى القراءة .عقيل حامد في الثامنة عشر من عمره يقرأ كتب الفقه بينما شقيقته زمن ، وهي في السابعة عشر من عمرها ، تقرأ المجلات فقط غير ان اهتمامها الاول ينحصر بما تقدمه القنوات الفضائية من برامج ترفيه وافلام واغانٍ، وبالتالي لاتغادر عيناها شاشة التلفاز الا في وقت متأخر من الليل .نهى عماد في السادسة عشر من عمرها تقرأ اخبار الفنانين في الصحف والمجلات فقط ( هذا النوع من القراءات غير مجدٍ ثقافيا ) .نادية منعم تقرأ قصص الحب وحدها ( هذا النوع من القراءات غير كاف ٍ) ..حين سألت اولئك الفتيات والفتيان عما اكتسبوه من القراءات جاءت الاجابات كالآتي :ـ بدأت اناقش الآخرين .ـ اشعر بحاجتي لقراءة المزيد .ـ اصبحت اعرف بعض الاخبار .ـ لدي معلومات عن مجتمع الفنانين ! ـ اشعر بأني اعيش قصص الحب التي اقرأها .ثم تأملت اولئك الفتيات والفتيان .. بعضهم بهم حاجة الى التوعية باهمية المطالعة ، وبعضهم يحتاج الى توجيهها الى القراءات البناءة .دور الجميعالكتاب جليس وانيس وصديق .. وعالم بحد ذاته ، كيف للبعض ان يهجره ، ولا يعرف قيمته بل كيف له ان يدرك قيمته ؟قال لي احد الاخصائيين في علم الاجتماع ان الاهتمام بالكتاب يحصل من خلال عملية التربية والتنشئة التي يتعرض لها الانسان خلال سني طفولته حيث يتعلم القراءة والكتابة والقيم والعادات ، ومثلما يتعود على العناية بملابسه وهندامه ونظافة جسمه يجب ان يعتاد العناية بالكتاب ، لذا فأن التوعية بأهمية الكتاب عملية يشترك فيها البيت والمدرسة ورفاق اللعب وزملاء الدراسة ووسائل الاعلام ومكاتب النشر والطباعة اذ ان اناقة الكتاب وانخفاض سعره من العوامل المشجعة على شرائه ومن ثم قراءته .ان الكتاب هو الوعاء الحافظ لعلم الأمة وتراثها وقيمه ، وهو سفر لأمجادها .ويظل الواجب يحتم على المربين والمعلمين غرس حب الكتاب في نفوس الصغار من خلال تحبيب البحث لديهم وتعويدهم على زيارة المكتبات والاطلاع على ما فيها من كتب ودوريات ، مع ان الظروف الاقتصادية والامنية غير المستقرة جعلت الكثيرين لا يعيرون الكتاب اهتماماً .ومضة امل ذات صباح ، لربما ستلامس اصابع ناعمة صغيرة ذلك الكتاب المجهول ، لتمسح دموعه ... لن تسمح بتحوله الى نثار للريح ، وهي تمسك بالزمن الضائعالمجلس

 
   
 


اقـــرأ ايضـــاً
التجارة الأوكرانية: العراق تعاقد مع شركة وهمية لتطوير حقل "عكاز الغازي"
امرأة عاشت قبل 75 ألف عام بالعراق.. اعادة تكوين رأس "شانيدار زد"
مؤرخة أميركية: ما تشهده الجامعات غير مسبوق "منذ حرب فيتنام"
يعملون في عيدهم.. 1 أيار "يوم بلا فرحة" لعمال العراق
التغير المناخي "يُهجّر" 100 ألف عراقي من مناطقهم
مداهمات واعتقالات في جامعة كولومبيا.. والسبب غزة!
كيف أصبح الأول من مايو عيداً لعمال العالم؟
بعد سنوات من التعثر، هل ينجح العراق في إنجاز طريق التنمية؟
ردود فعل حادة بعد إقرار "قانون المثلية الجنسية" في العراق
تهنئة من الاتحاد الديمقراطي العراقي
ندوة اللجنة الثقافية في الإتحاد الديمقراطي العراقي في كاليفورنيا
البرلمان العراقي يمرر قانونا يجرم "المثلية الجنسية"
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة