عبد الغني الخليلي مهجّر عراقي يعيش في المنفى السويدي ، تجاوز السبعين عاما ، من اسرة دينية ادبية . ويعتبره العراقيون من رواة الجواهري فقد صحبه دهرا ً في عمله الأدبي والصحفي وهو بدوره شاعر وناثر رقيق الكلمة عذب العبارة يتقطر ماء الفرات من قلمه وتفوح من كلماته رائحة الطلع والقداح ،لايحسن الكثير من السياسة لكنه يحب العراق : نخيله ورافديه ، بغداده ونجفه وكربلاءه .. ويحب لغته العربية ويزهو بقاموسها الذي يعرف منه اضعاف مايعرفه الجهلة الذين اخرجوه من وطنه فهو ابن النجف وريثة الأدب العباسي وحملة لوائه في العصور المظلمة . يعرف عبد الغني علاقتي الحميمة بادونيس ودفاعي القديم عنه ضد ناقديه وشاتميه في اكثر من مشهد . وهو لذلك يطلب مني ان لا اغضب عليه اذا ذكر الحقيقة عن ادونيس في هذه الايام وقد عرفها من خلال الصحافة السويدية . واليكم نص الفقرة التي وردت في رسالته اليّ بتاريخ 17 آذار 1995 . " لاتغضب علي ان قلت انني مع اتحاد الكتاب العرب في دمشق ولست مع ادونيس وكل من دافع عنه من اخوته الادباء خاصة في مصر .. فمنذ فترة بدأت صحافة السويد الموالية لاسرائيل تشيد بادب ادونيس وفكره وذلك تمهيدا لترشيحه لجائزة نوبل .. قلت لك لاتغضب علي ّ .. " كلا يا أبا الفرسان لن اغضب عليك واقول لك ماقاله الجواهري فيك :
أبا الفرسان انك في ضميري وذاك اعز دار ٍ للحبيب ِ
لأني أعرف انك لاتكتب عن ضغينة فانت تحب ادونيس كما احبه انا لكن فلسطين والعراق احب الينا من انفسنا ، ومن جميع من نحبه من ذوينا واصفيائنا ، والمقدس عندنا هو الوطن وهو وحده الذي لايخطئ ، وهو وحده الجدير بالحب المطلق والطاعة المطلقة . ولامحبة لمخلوق في معصية الوطن . ".. انتهى نص الرسالة . تلك ورقة قديمة من شجرة ماقبل القرن الحالي .. من لدن اديب مرموق يعنى بالهم العراقي والعربي كما ان حب البشرية جمعاء هو ديدنه . رجل لا كل الرجال ،عاشق من عشاق الدنيا الفكرية والادبية، مناضل من اجل السعادة للبشرية جمعاء من اجل الكادحين والفقراء والمظلومين وقد عرفت انه يكتب في الصحافة التقدمية ويرفض ان يتقاضى وعندما يمرض فان الجميع يتفانى من اجل شفائه والوقوف الى جانبه . رأيته لأول مرة وانا في دمشق في اتحاد الادباء حيث كان يقدم الشاعر السوري علي الجندي وقد كان يطريه لان علي الجندي شاعر وامض قوي العاطفات ، والزاوية التي تناولها العلوي في شخصه هو ان الجندي عفيف صامد رغم الشحة وانه كان قد رآه ، هكذا كان قد اشار هادي ، على الرصيف بانتظار الباص بين اكتظاظ الناس قادما الى موعد الامسية الشعرية المنعقدة له . انه شاعر الشعب الزاهد الصامد الذي لايمدد يده لسلطان . رأيته في مكتب الاعلام في الثقافة الجديدة في ركن الدين – دمشق ، حيث كنت اعمل مصححا ، وكانت جلسة جميلة مع الدكتورغانم حمدون الذي كان يبدي بعض الملاحظات والاستفسارات عن مقالة للعلوي يروم نشرها وغانم دقداقي ونقناني بالحق ويبحث عن الكثافة والتركيز والدقة في النص مع التنقيط الصحيح وانه فضلا عن ذلك جرئ حتى بالاستفسار عن بديهية قد فاتته معرفتها فمن يصدق ان غانم حمدون بقضه وقضيضه يسأل هادي العلوي ماذا قصدت ب حراء ؟ فاجابه العلوي بانه غار حراء وكيت وكيت الخ .. مع هؤلاء الاساتذة لايخشى المرء تمويها بالعلم . وغانم هو الذي يضع قائمة الظاءات على الجدار قرب رأسه كي لا يخطئ او يسهو .. وقد قال الشاعر :
وتراه يصغي للحديث بلبهوبقلبه ولعله ادرى بهْ
واليوم يدخل علينا العشرات في فضاء الانترنيت ممن لا يهمهم ظلال من ضلال ويضع من يظع وظهر من ضهر !!! وعلى حد قول بيرناردشو في بيجماليون : ان لغة بائعة الورد إلآيزا : كربستون... وعندما ارسلت ملاحظة الى احدهم وهو مسؤول الكربستون ! في موقع اليكتروني اجابني قائلا شنو ظاء شنو ضاد أنا ما تفرق معي!!!!!!! عذرا على جاحظيتي ! وخروجي من النص الى شارع فرعي ! لكني حزين من عصر الكربستون هذا . ولا اطيق كظما ً . رأيت العلوي مرة رابعة في جريدة النهج وبعد ان صافحته شعرت ان يده باردة جدا قلت له هاانت تعمل بكثرة قال لي هذا صحيح قلت هل تسمح لي ان اذكرك – متمنيا لك العمر المديد – بكتاب شهير عنوانه شمس للميت حيث حكمته تنصب على ان لايجب ان يحمل المرء الصخرة مرة واحدة ! قرأ لي العلوي ابياتا من قصيدة لامية جميلة من معانيها انه يموت بالكسل ويحيا بالعمل . وفي بيت من بيوت ضيافة الرئيس حافظ الاسد حيث يحل الجواهري ضيفا عليه وعندما كنت قارئا للأخير ، فرحت برؤياه – بهادي - هناك ، وقد كان قد اسهم بهذا الشأن الأدبي او في اعمال الشاعر، وكان الجو متكهربا بحضور الشاعر المُدوي ولايستطيع أي جالس في المكان ان يحيص او يفيص او ينبس من دون ان يكون الجواهري هو مركز القول والسماع !!!!!! ياإلهي كم كانت الثريا الكبيرة الكبيرة جدا منفرة . من يومها وأنا أكره كل ثريا ! ولا احب الاشخاص المهمين !!!! . اللقاء الأخير الذي تمنيت ان يكون وهو في بيت العلوي ذاته اذ توجهنا غانم حمدون وانا اليه واذا به قد غادر سوريا بسبب تصريحاته المعروفة اثر غزو العراق للكويت . فذهبت فرصة رائعة جديرة بالانتهال روحيا من هذا الطود الشامخ والمجد الباذخ . كان بوقتها قد ترك لي رسالة يطري فيها عملي على جبهة الشعر العمودي ووعدا بنشر قصيدة في الغد الديموقراطي . بعد ايام او اشهر راسلته وهو في الصين ، وعندما عاد الى سوريا مجددا ، وكانت اجاباته الودود والمشجعة بحقي مما لايمكن ان انساه بل مالايفعله اديب رائع وكبير مثله . جمعت الرسائل منه الي ّ في مقالة بعنوان ابنة هادي العلوي الصينية ، بعد لقائي صدفة ً بها في لندن . نشرت المقالة في المواقع الالكترونية وهي ماتزال في موقعي الفرعي في موقع الحوار المتمدن . ان رسالته المتضمنة لمشروع دعم المحتاجين العراقيين في المنفى أي مشاعية بغداد هي تعبير عن روحية حب العراقيين والتفاني من اجلهم . سأبحث عن رسالته حول مشاعية بغداد كما سأبحث عن رسالة عبد الغني الخليلي بل ساتفانى!!! من اجل ذلك لثقتي انهما بين اوراقي . واكراما لذكراهما لابد من البحث عن روائعهما والروعة هي ليست خزانة ادب عالمي بمئات الكتب والبحوث بل هي كلمة حب صادقة واحدة . وأخيرا وليس آخرا ً اعيد كتابة قصيدتين قديمتين في ذكرى شيخيّ الجليلين .
* قصيدة بعنوان شهيد المنافي عبد الغني الخليلي :
كتبتُها في اربعينيته :
وداعا لافانك ألف آتِمن الماء المقدس للحياةِيعانق فيك نبض غدي بأمسيصدى مستقبلي من ذكرياتيكأنك في أديم الأرض بذرٌتناسغ بالجذور المزهراتكأنك قائل :المهد لحديورغم الليل أبدأ من رفاتيفليس يليق في منفى وضوئيولا اكتملت بلا وطن صلاتيشربت الماءمن حوب وصوبفما يروي به جسد فراتيدفنت القلب عند غدير أهليونخلة منزليومهاد ذاتيوماراهنت سلطانا بشعريعلى ذلٍولارخصت دواتيظللت على صيامي الدهر صبراوقد زعموا هلال العمر آتِورغم الظلم ، سوف أصون صمتاشفاهي فهي نذر للحفاةِاغني في السجون وفي المنافيلشعبيلن اغني للطغاةِواصبر كاظما جرحي منيفافما استخذى لذي عرش شَتاتيوهودج عرسي َ العدويٌ نعشٌترف بهالى نجف رفاتيوداعا ياغني ...وياسماءاتبشر بالغيوم الممطراتفكل غد له قزحوشمستطل على السفوح المورقاتويابدرا تنآىوهو أجدىبمعترك الليالي المعتماتوياسيفا أسفت عليه لما تهاوى ،ساعة اجتمعوا قضاتيتهاوت وردةوالريح تعويوطاحت نجمة والليل عاتِأيا عبد الغني أبا الأغانيوياصنو الرجا والامنياتِتمهل فالطريق الى صباح ٍ ولا عهد يدوم على سباتِوكل أخٍأضاع أخاه يومايقبل هامه رغم الجناةِوان سفائني لابد يومامن المنفىلبابلَ مُرجعاتيملايينا لأحياءٍ وموتىسيحضنهن صدر الامهات ِويزهر في غدٍحقلٌ ( غنيٌ )تفجر بالندى والمعجزاتِويبقى الموت في وطني حياةفهاتِ يديكرغم الموت هاتِ .
رثاء الى الاستاذ هادي العلوي
هادي رسائلك الشذية زادي كتميمة بيدي وتحت وسادي رافقتني والبدر عرس هوادجي وهجرتني والشمس ثوب حداديولدوح فكرتك الظليلة زهرة ٌعلوية فواحة ياهادي لشميمها مازال يعدو فارسي ويرود عطرك في العثير جوادي قسما باسمك والتبتل والابااني اناصب زيفهم واعادي لقبت بالعلوي اسم اميرنا قزح الزمان وكوكب الزهّادفعليّ ُ مثل الجذع نسغ جذوره أبتي ونبع ثماره اولادي قسما سنطلع من تراب ضريحه وجروحه كالشمس وجه بلادي ولسوف يصدح في الاثير بلالنا الحبشي قدسي الشذى وينادي سقط الطغاة هلمي دجلة مازجي بدم الفرات جنونك الطروادي
عام 1999. من ديوان قم ياعراق . ص162
* توق أخير : " فقد الأحبة غربة " علي بن أبي طالب (ع ) .