الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
نازك الملائكة شغلت الادب بنصها وصمتها
الأربعاء 31-12-1969
 
قراءات واستذكارات عن رائدة الشعر الحر

سعد الدين خضر
كاتب من العراق
كما عُرفت بأستيعابها المذهل للآداب الأجنبية والعربية ..، عرفنا ذلك من كتابات كثير من النقاد والباحثين والدارسين، ومن شهادات اولئك الذين أتصلوا بها وزاملوها، طلاباً وأساتذة ولطالما استضافت الأتحادات والمنظمات والجمعيات الأدبية والثقافية العربية شاعرتنا الكبيرة لألقاء محاضرة أو المشاركة في مناقشة أو ندوة ..
فكانت لها بحق وعمق ... وما من عاصمة عربية الا وكان لنازك الملائكة فيها حضورها المشرق والمرحب به دائماً ..، .هكذا عرفنا نازك الملائكة : شاعرة، مترجمة، ناقدة مؤلفة، استاذة جامعية ...، ولكن القليل من المثقفين العرب يعرف أن نازك الملائكة قاصة ..!! نعم قاصة، كتبت القصة بروح شاعرة ..! وكانت في قصصها لقليلة الأخاذة تُفصح عن مخاض ولادة قاصة من طراز شعري !! نازك الملائكة التي لم تكف عن اهداء ابداعها وطيبها الي الآخرين ..، من خلال اشعارها وكلماتها ..، ومثلما ترسم الأشجار صورها بالظلال، كذلك فعلت الشاعرة ... رسمت ألفة حياتها ونبل مشاعرها وسمو أحزانها بالكلمات و(الرسم بالكلمات) قال الشاعر، أجمل الرسم ..! ومن كبرياء الشاعرة، ومن وقارها ..، أيقنت أن الشعر لا يطرح كل أنشغالاتها، رغم أنها تثق دائماً بصفاء شاعريتها ونقاء رؤاها ..، ولذلك أتجهت في حالات خاصة ومحددة الي القصة، التي تحتمل كما نعرف- الأستطراد بالسرد والتفصيل بالقص . القصة الشعريةرغم أنها كتبت "القصة الشعرية"(1) مبكراً، ومنذ عام 1948 بالتحديد ... ولعل أصدق نموذج للقصة الشعرية، قصيدتها المطولة (الخيط المشدود في شجرة السرو) التي جاءت بسبعة محاور "كان محورها السابع دقيقاً في تكثيف الفجيعة "(2) ويضم ديوان نازك الملائكة ومجاميعها الشعرية بعض القصائد التي تروي حكايات ..، منها حكايات حب ومنها حكايات حزن ..، بيد أننا لا نستطيع ان نضع (القصة الشعرية) في سياق فن القصة، كجنس أدبي . أجمل قصص نازك الملائكة قصة (ياسمين ) (3)التي نشرتها مجلة (الآداب) البيروتية المعروفة بعددها الصادر في آذار (مارس) 1958 والتي نتعرض لها في هذه الموضوعة المختصرة . كما نشرت الشاعرة قصصا أخري هي: (منحدر التل )في مجلة الأداب) بعددها الصادر في تشرين الأول 1959، و (قناديل لمندلي المقتولة) في ذات المجلة بعددها الصادر في كانون الأول 1978، وحوارية قصصية فكرية بعنوان (الأبرة والقصيدة) في مجلة (شعر) القاهرية بعدد تموز 1978، أجدها أقرب الي التمثيلية أو الحوار المسرحي (4) . وقد قرأنا في الآونة الأخيرة بعض الكتابات التي تناولت قصة (منحدر التل) في صفحاتنا الثقافية العربية ومن هنا جاء أختيارنا لقصة (ياسمين) التي لم يتعرف عليها جيل من القراء، ولم يتعرض لها كاتب ..! وفي الحقيقة فان الشاعرة الكبيرة التي فارقتنا أمس الاول لم تكن بعيدة عن القصة، كجنس أدبي، لأنها تناولت بالنقد أحياناً ما أتيح لها الأطلاع عليه من قصص عربية، ولقد أكدت كتاباتها النقدية المبكرة والمتأخرة علي توغل عميق في فهم القصة، قبل أن تكتب دراساتها النقدية، القصصية والروائية والمسرحية، ونفهم ان نازك الملائكة تعاملت مع (الحداثة) من منظور طليعي وتجديدي، ففي تناولها النقدي لقصص (زكريا تامر) الأولي، المنشورة في (الآداب) قالت مثلاً عن قصته (قرنفلة للأسفلت المتعب) (5) بأنها (شيء وليست قصة، لأنها لم تلتزم بالهيكل القصصي المعرةف) (6) رغم ان النقاد العرب بشروا به قاصاً (حداثوياً) ..!! أعتي أنها لم تؤخذ بالهالة التي أحاطته ! وقصة نازك الملائكة الأولي المنشورة، (ياسمين) .. ينبغي أن تُقرأ وفق معايير الكتابة في تلك الأعوام، حقبة الأربعينات المنصرمة، التي شهدت بدايات الفصل الثاني من النهضة القومية، اذا اعتبرنا يقظة العرب أواخر الحكم العثماني فصلاً أولاً ..، لأن بعض مفردات الكتابة التقليدية كانت ما تزال عالقة ببعض كتابات المجددين ومنهم شاعرتنا - ..، لذا فمن العدل والممتع ان نقرأ القصة بروح ومعايير تلك المرحلة ..، ان نأخذها بسياق زمنها وأن نأخذ بالأعتبار كيف كانت أساليب الأنشاء والتعبير وأنماط الكتابة الأدبية في تلك الأيام ...، ورغم ذلك فأن نازك الملائكة في قصة (ياسمين) قد تفوقت في السرد والقص علي المألوف والتقليدي، وأدخلت في ثنايا القصة بعض المفردات والعبارات الشعرية والشاعرية من قبل (أختلاج شفتيه) (تخايله) (مصاولات) الومضات الخاطفة من الصلات) (الصمت الموحش) (وَوَجَفَتْ نفسي) (تفجر طفولي رائع) ...أخت جديدة اسمها ياسميننُشرت القصة في المجلة علي النحو الآتي، ياسمين : قصة بقلم نازك الملائكة . وتحت هذا العنوان الكبير جاء الأهداء بحرف دقيق "تحية ومحبة للصغيرة الغالية (نسرين)" وتصدرت الصفحة الي جانب عنوان القصة صورة معبرة هادئة للشاعرة القاصة وهي في مرحلة الشباب من عمرها . بدأت القصة بهذه الأسطر : "عندما غادرتُ العراق الي أمريكا للدراسة منذ خمس سنين كانت قد ولدت لنا في المنزل أخت جديدة أقترح أخي أياد .. أن نسميها (ياسمين) تكريماً لشجيرة زرعها في حديقتنا ...."تحدثت الكاتبة في القصة عن تجربة خاصة، تجربتها هي كفتاة عراقية تُتاح لها فرصة السفر للدراسة خارج العراق ..، فتاة تعيش ضمن أسرة بغدادية هادئة ومنسجمة، تشدها المحبة ويسودها الأحترام ... وتميزت القصة بالوصف الدقيق للمفردات والأشياء الصغيرة في حياة تلك الأسرة : المنزل، الحديقة، الأشجار، الشارع أمام البيت، القطة (سيرسي)، الجدائل، الملابس، اللُعبْ ... الخ كما وضح من خلال السرد ذلك البُعد النفسي (السايكولوجي) الذي يُخيم علي علاقات الأشخاص (الأسرة) ويكتنف بعض أحداث القصة . تنقل القصة بمجملها هواجس فتاة غادرت أسرتها ووطنها للدراسة وهي مثقلة بمختلف المشاعر ... مشاعر الأنتماء الي عائلتها ومشاعر فرحها بالمولودة الجديدة (ياسمين) ومشاعر الأغتراب والبعد عن كل ما اعتادته في حياتها الرتيبة في منزلها ...، وتحاول وهي في الغربة ادامة تلك الروح العائلية وذلك الأرتباط الوجداني الذي يشدها الي اخوتها وأبويها من خلال الرسائل ... ولكنها عندما تعود تُفاجأ بموقف أختها الصغيرة (ياسمين) .. الموقف الرافض لها بقسوة طفولية : "أذهبي ... لا أريدك" وتفاجأ أيضاً بتحول مواقف أخوتها وأمها منها أو ربما هكذا ظنت حتي لقد تساءلت : "أتراني حقاً غريبة هنا" !!؟ اذن، يحق لنا أن نتساءل الآن وبعد مضي كل هذه الأعوام ...، تُري، هل كانت القصة رسالة موجهة للأهل في حينها !!؟ في القصة بعض المسلمات والأحكام والعبر التي تخدم سياقات الحدث وتوحي للقارئ ببعض الفهم للمشاعر الداخلية لفتاة تعاني من الغربة والبعد عن الأهل .. نبتة نضرة أُقتلعتْ من تربتها ..، "أنهم يحسبون أننا نكتسب كثيراً من حياتنا في الخارج دون ان يتخيلوا الثمن الذي ندفعه" .. "ان البُعد لا يُنسينا وحسب وأنما يضيف الينا أيضاً .." وتمضي القصة في تصوير حياة الغربة وفي مجتمع مختلف، وتعكس حنينها الي تلك الحياة المنزلية التي عاشتها منذ طفولتها .. "ماذا يصنع البعد بنا ..؟؟ اننا في البداية نتمسك بكل ما أحضرناه معنا من الأرض القديمة التي فتحت ذراعيها وأسلمتنا للمسافات .. نحن نتعلق بأشياء مثل عدد أشجار الدفلي في حديقة الشارع أمام منزلنا وطعم الشاي الخاص الذي يُصنع في بيتنا ولا نري مثيلاً له في الوجود، ووجه ياسمين الصغيرة . " ...، "ان حياة البعد المنفصلة هذه ليست كلها مباهج، وتكاليفها الشعورية في الغالب باهظة .." "كل ماضٍ آخر لنا يستطيع أن يحيا في حاضرنا، ما عدا ماضينا الأمريكي هذا فنحن ملزمون بأن نخلعه ونرميه في لحظة واحدة .." ...، .توفرت القصة علي حدثين دراميين، أولهما محوري استغرق مجمل أحداث القصة وتطوراتها ..، أعني به أزمة علاقة الأخت الكبيرة العائدة من أمريكا بالأخت الصغيرة الطفلة (ياسمين) وتفاوت مواقف أفراد الأسرة من كليهما ...، أما الحدث الثاني فطارئ ومفاجئ يتمثل في مرض ياسمين وأصابتها بأغماءة وغيبوبة نوبة صرع وهي في غرفة أختها الكبيرة ..، وشعرتْ الأخت الكبيرة أنها هي السبب في مرض الصغيرة لا سيما بعد أن توترت مشاعر الرفض لدي (ياسمين) حتي صرخت بوجهها : "اذهبي .. لا أُريدك .." .. و "لماذا لا تعودين الي أمريكا أذن .. ؟؟ لقد قلت لكِ انكِ لست أختي وأنني لا أُحبكِ .." قالت هذا رداً علي أستفزاز أختها الكبيرة لها بعد أن يئست من كسب مودتها :- "ياسمين .. أنني لا أحبك، هل تسمعين ..؟" كان ذلك قبل نوبة الأغماء .. لعلها اذن هي السبب، .. "أنا مولعة بأختي وهي لاتطيقني، وقد بلغت الأمور نهايتها العظمي هذا المساء، وبات عليّ أن أنسحب فوراً قبل فوات الأوان .. لا معاكسات منذ اليوم ولا حلوي ولا دُمي ولا محاولات لأدخالها في غرفتي .." التداعي والأستذكاروفي تكنيك القص الذي وظفته الكاتبة يمكن أن نلحظ أكثر من حدث أو حادثة او حكاية في هذه القصة، بعضها يرد من خلال التداعي والأستذكار، وبعضها يسوقها حلم كابوسي، وثمة قصة قصيرة جداً ترد في سياق القصة الأصلية، اعني قصة الصبية التي ابتلعت (دبوس)، ثم سفرها الي لندن للعلاج، ومصاحبة الاخت الكبيرة (الساردة) لهذا الغرض الترجمة ولكونها قريبتها و"ذلك الصمت الموحش في شرفة المستشفي الوطني بلندن.." وتبدل موقف (ياسمين) خلال فترة الشهرين التي استغرقها غياب الأخت الكبيرة، وكيف بدأت تفتقدها وتسأل عنا .. "ثم سألت في تفجر طفولي رائع أن يكتبوا اليّ ويخبروني بأنها تحبني أشد الحب وتريد أن أعود الي البيت .." وكذلك حادث توقف الدمية عن الحركة ايام طفولتها، وحالة الهلع، والخوف الذي أصابها .. متوهمة أنها قتلتْ الدمية .. !! .. اذن، هذه القصة تزدحم بالأحداث، وكان يمكن أن تُكتب بصيغة اخري وان تُجزأ الي اكثر من قصة..في هذه القصة، لم تفتعل نازك الملائكة أي حدث، ولم تتوهم علاقة، ولم تزيف مشاعر، ولم تموه موقف ...، ثمة صدق جميل .. حتي والدها الذي تحترمه وتُجله، عكست ضجرة من تصرفاتها مع أختها الصغيرة .. "وكم مرة أحتج أبي علي انني اعكر جو المائدة بأثارة معارك كلامية مع الطفلة .." "كنت احياناً اغيظها بأن اسحب صحنها من أمامها فتحني رأسها وتسكت رافضة الكلام او الأحتجاج .." واذا شئنا اخضاع القصة القصة للتحليل النفسي والمراجعة السايكولوجية علي عجل، فسنجد ذلك الفيض من المشاعر والأحاسيس والتخيلات والأنفعالات والتصورات التي تنتاب (الساردة) كشخصية محورية في القصة ..، مما يسمح لنا ان تضعها اعني القصة في سياق القص النفسي ..، فنجد مثلاً انها الساردة تتوهم أختها الطفلة الصغيرة، فتاة كبيرة عاقلة تضع مشاعرها في تضاد معها ..، تقول : "وأما أنا فلم أعد أراها كما ينبغي طفلة صغيرة مشاكسة وانما تحولت بنظري الي انسان مدرك بما يصنع .." !! هكذا كانت (تهيؤات) الأخت الكبيرة ..، ونستطيع ان نتفحص ونحن نقرأها مستويات متفاوتة من المواقف المثقلة بشحنات (نفسية عاطفية) لا تصل الي الدرجة السايكوباثية، مما ينتاب بعض أعضاء الأسرة، شخوص القصة في مراحل (الحدث السرد) الزماني المكاني وعلي مختلف الدرجات الذاتية والعامة، بل نفهم ان الرؤي والأحلام الكابوسية ونوبة الأغماء وسواها من الحالات تشكل خلفيات لمواقف وحوارات وتوترات للشد الدرامي ...تحليل الشعورتقول "وأما أنا فقد شعرت بأعياء شديد وانقباض فأنسحبتُ الي غرفتي واغلقت بابها من الداخل، لم يكن بوسعي ان أحلل شعوري، غير انني كنت أعاني في داخل نفسي من شيء ما لا أستطيع تشخيصه ..." وفي موضع آخر من القصة تتحدث (الساردة) عن حالتها "ثم بدأ احساس آخر أفظع ينمو في نفسي دون أن اشخصه أو أناقشه ..، أتراني وحدي التي تغيرت !؟ أم تغير ابواي واياد ايضاً؟؟ " اما ذروة الشد النفسي في القصة فجاءت عبر ذلك الحلم الكابوسي الذي روته (الساردة) .." ولم أدر ايضاً كيف غفوت وانا في وضعي غير المريح ذاك ... ولكنني حلمتُ ... كان المكان كبيراً شاسعاً أشبه بمحطة قطار أمريكية ... وكانت معي حقائب كثيرة ثقيلة، ثم أقبل انسان لم أميزه في الحلم ووقف يكلمني دقائق وحين ذهب والتفتُ لم أجد حقائبي .. كان مكانها فارغاً ولسبب ما أخافني هذا الفراغ .. ورحت أبحث في المحطة عن حقائبي، أصعد سلالم وأهبط أخري، سلالم تجري في دوائر كابوسية الطبيعة، وكنت اري حقائبي من بعيد كل مرة فأثق من أنني سأصلها .... ولكن الدرجات كانت تنتهي فجأة بجدار يبزغ من الفراغ وينتصب امامي .... ثم راحت الجدران تضيق وتتعاكس والممرات تنعقد وتطول والسلالم تشتبك وانا لا أصل الي أي مكان قط .." هذا الحلم الغامض والمرعب الذي سردته راوية القصة يدلل علي شدة أنفعالاتها وأرتباك ما يحيط بها وهي في الغربة . واذ تصل القصة الي ذروتها الدرامية، حتي من خلال ذلك الحلم الكابوسي والرؤي الفانتازية .. اذ ذاك يؤون أوان الأنفراج ... فتختم القصة بأسطر نقرأ فيها الفرح والمرح الذي أصاب الأخت الكبيرة بعد أن لمست تبدل مواقف ومشاعر اختها الصغيرة ازاءها .. "لقد حملتها وركضتُ بها في المطار نحو الباب، نحو البيت، وقد نسيتُ حقائبي كلياً، ولم أخجل من سخف منظري وأنا أحمل هذه الطفلة وأركض وفي المكان كثير ممن يعرفونني ..."الرحيل في الغربة يجمع روّاد الشعر العراقي الحديث قصيدة الكوليرا تجربة تطبيقية على التحديث عواد ناصربرحيل رائدة الشعر العربي الحديث نازك الملائكة يختتم المشهد الريادي جسديا، بعد رحيل زملائها الثلاثة بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري، لكن هذا المشهد يظل مفتوحا كما أراد له ابناؤه البررة، علي الكثير من اسئلة النقد والرصد والسجال.كانت الحياة في العراق أبان الأربعينات حبلي بما يدور علي الأرض كما هو حال الرؤوس، وكان الشعراء، كالعادة أكثر الجميع حساسية واستجابة للأحداث سواء السياسية منها أو ما يرتبط بها ويشتبك معها من النواحي الأخري اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.كل هذا يأتي ارتباطا بأحداث العالم المعاصر خارج العراق، وما أفرزنه الحرب العالمية الثانية من تغييرات كبري داخل وخارج العقل البشري، فتولدت حركات فكرية جديدة، شملت الأدب والفن والفلسفة، ما وجد انعكاسه واضحا لدي نخبة الأدباء العرب والعراقيين فدفعهم، هم الآخرون إلي طرح أسئلتهم بشأن الواقع وطريقة النظر إليه، وبالتالي التعبير عنه.المغامرة غير قابلة للتأجيللم تعد الأساليب والطرق التقليدية المعروفة بقادرة علي استيعبب الواقع العربي بشقيه التوأمين: الموضوعي والروحي، فكان لابد من مغامرة كبري تهز مداميك الحياة الأدبية التي شيدت منذ حوالي ألف وأربعمئة عام، وتكرست في الصحراء العربية وقراها ثم مدنها وحواضرها الشاخصة، وقدر ما يتعلق الأمر بحركة التجديد الشعري فإن العراقيين هم الشعراء الأكثر تأثيرا وجدية في خوض مغامرتهم، أفرادا أو مجتمعين، كي لا أقطع بسبقهم التاريخي وأرشفة خطواتهم الأولي، أو أيهم الأسبق، فهذا أمر لم يزل مثيرا للجدل حتي اليوم.لا يمكن تحديد بداية محددة لحركة التحديث الشعري العربي وقياسها بالمسطرة والناظور فهي حركة مركبة تشتغل داخل الذات الشاعر المعنية برصد واقع الحال الشعري والمتسائلة، وإلي حد ما المأزومة نتيجة ضيق الممرات التي تمر عبرها القصيدة فلا تسمح بالتدفق والجريان عندها يبدأ الشاعر أسئلته علي نفسه ومن ثم علي آخرين، ولكن من دون قرارات مسبقة أو بيانات انقلابية مكتوبة علي عجل.ليس بوسع الشاعر أن يقرر خوض تجربته الخاصة فيجلس إلي مكتبه ويضع مخططا لعمله اللاحق في اليوم التالي. إنما تخاض المغامرات الكبري بفعل حاجة شخصية وموضوعية ملحة غير قابلة للتأجيل، فقصائد الشعراء الرواد التي سجلت اختراقهم المهم لم تنشأ من اجتماع عام بل همي نتيجة مكابدة طويلة تراكمت كمّا فتغيرت وغيّرت كيفا، وهم بذا، مع تفاوت حجم إسهاماتهم وأساليبهم وقاماتهم الشعرية، فتحوا الأفق واسعا لتجارب لاحقة أسست علي تأسيسهم وتنافذت معه وجادلته شعرا ونقدا وأسئلة مهمة.حجم التجربة الداخليةتقول الراحلة نازك الملائكة في الحديث عن تجربتها (مذكراتها المنشورة في مكان آخر من الزمان) ما معناه أن أنباء الموت ورحيل المئات يوميا بسبب الكوليرا في مصر هزها من الأعماق فلم تستطع الصمت فقررت أن تعبر عن مشاعرها، وكتبت قصيدة ورمت بها إلي سلة المهملات وكتبت ثانية فلم تعجبها "شعرت أنها لم ترسم صورة إحساسي المتأجج" ولما كتبت قصيدتها الثالثة بنظام الأبيات غير المتساوية "أحسست بسعادة بالغة... بعد أن ثبت عجز الشطرين عن التعبير".هذا ما قصدته بشأن الحاجة الداخلية التي تملي علي الشاعر ابتكار طريقته الكفيلة باستيعاب عواطفه وتجربته ومكابداته.كانت "الكوليرا" قصيدة الرائدة الراحلة أول قصائدها التي اتجهت بها نحو خوض مغامرتها التغييرية، رغم أن الملائكة لم تهجر قصيدة التفعيلة الكلاسيكية (العمودية) بل أن قصائدها (الحرة) لم تفارق البنية العامة للقصيدة الكلاسيكية، من حيث الالتزام بالعروض والقوافي، فالفرق الأبرز في تجربتها كما تعترف هي هو في عدد التفعيلات (طول الأشطر وقصرها).إن تجربة الملائكة وقد تأسست لتصبح معلما وعمودا من نور في برية الشعر العربية لكن، أسوة بتجارب متزامنة أو لاحقة، لم يتأتي لها أن تثمر كما ينتظر منها، لأسباب تتعلق بالحياة السياسية والثقافية العربية التي يبدو أنها لا طاقة بها علي استيعاب المغامرات الكبري أو حتي المشاريع الإبداعية الواعدة، والغريب هو أن رواد شعرنا العربي الحديث رحلوا جميعا أما غرباء أو مطرودين من أوطانهم، فرحلت الملائكة في مصر ودفنت فيها ورحل السياب في الكويت ودفن في البصرة ورحل البياتي في عمان ودفن في دمشق ورحل بلند في لندن ودفن فيها ورحل شاذل طاقة في المغرب.الرحيل لايميت القصائد..مختارات للملائكة الكوليرا اول قصيدة للملائكة تفتح باب شعر التفعيلة عام 1948سكَنَ الليلُأصغِ إلي وَقْع صَدَي الأنَّاتْفي عُمْق الظلمةِ، تحتَ الصمتِ، علي الأمواتْصَرخَاتٌ تعلو، تضطربُحزنٌ يتدفقُ، يلتهبُيتعثَّر فيه صَدي الآهاتْفي كلِّ فؤادٍ غليانُفي الكوخِ الساكنِ أحزانُفي كل مكانٍ روحٌ تصرخُ في الظُلُماتْفي كلِّ مكانٍ يبكي صوتْهذا ما قد مَزَّقَـهُ الموتالموتُ الموتُ الموتْيا حُزْنَ النيلِ الصارخِ مما فعلَ الموتْ طَلَع الفجرُأصغِ إلي وَقْع خُطَي الماشينْفي صمتِ الفجْر، أصِخْ، انظُرْ ركبَ الباكينعشرةُ أمواتٍ، عشرونالا تُحْصِ أصِخْ للباكينااسمعْ صوتَ الطِّفْل المسكينمَوْتَي، مَوْتَي، ضاعَ العددُمَوْتَي ، موتَي ، لم يَبْقَ غَدُفي كلِّ مكانٍ جَسَدٌ يندُبُه محزونْلا لحظَةَ إخلادٍ لا صَمْتْهذا ما فعلتْ كفُّ الموتْالموتُ الموتُ الموتْتشكو البشريّةُ تشكو ما يرتكبُ الموتْالكوليرافي كَهْفِ الرُّعْب مع الأشلاءْفي صمْت الأبدِ القاسي حيثُ الموتُ دواءْاستيقظَ داءُ الكوليراحقْدًا يتدفّقُ موْتوراهبطَ الوادي المرِحَ الوضّاءْيصرخُ مضطربًا مجنونالا يسمَعُ صوتَ الباكينافي كلِّ مكانٍ خلَّفَ مخلبُهُ أصداءفي كوخ الفلاّحة في البيتْلا شيءَ سوي صرَخات الموتْالموتُ الموتُ الموتْفي شخص الكوليرا القاسي ينتقمُ الموتْالصمتُ مريرْلا شيءَ سوي رجْعِ التكبيرْحتّي حَفّارُ القبر ثَوَي لم يبقَ نَصِيرْالجامعُ ماتَ مؤذّنُهُالميّتُ من سيؤبّنُهُلم يبقَ سوي نوْحٍ وزفيرْالطفلُ بلا أمٍّ وأبِيبكي من قلبٍ ملتهِبِوغدًا لا شكَّ سيلقفُهُ الداءُ الشرّيرْيا شبَحَ الهيْضة ما أبقيتْلا شيءَ سوي أحزانِ الموتْالموتُ، الموتُ، الموتْ يا مصرُ شعوري مَزَّقَـهُ ما فعلَ الموتْنازك الملائكة توارى الثرى في مصر بعيداً عن وطنها براق ابن الشاعرة الراحلة: مذكرات العائلة جاهزة للطبع القاهرة – الف ياءقال الدكتور براق عبدالهادي الابن الوحيد للشاعرة الراحلة نازك الملائكة اني حزين بحق لأني فقدت اعز شيء في حياتي وهي والدتي الحبيبة وبعد ان فقدت والدي العزيز من قبل. كانت والدتي طيبة القلب حلوة المعشر رقيقة الاحساس والمشاعر لها فكر ثر تميل دائما الي الابداع والعطاء ماكنتها الفكرية والأدبية لا تهدأ لأنها تعشق أدبها وعلمها الذي ورثته من عائلتها المعروفة بالنتاج الفكري الخلاق . وأضاف براق وبرغم من هذا الموقف المحزن والمؤلم فان وجود إخواتي وإخواني العراقيين من حولي الآن خفف علينا الكثير وخاصة بعد ان علمنا ان الرئيس العراقي جلال الطالباني قد بعث بمواساة لعائلتنا.وعن تخليد وتمجيد تراثها الشعري الكبير أكد براق لقد اتجهت والدتي رحمها الله قبل وفاتها الي كتابة مذكراتها وقد جمعنا العديد من الوثائق المهمة لاعداد هذا الكتاب في مصر والعراق وتتجه النية الآن الي إكمال هذه الوثائق وقد تكون المذكرات جاهزة للطبع في القريب العاجل .وقال براق أتوجه بالشكر والتقدير والعرفان الي العراقيين والمصريين كافة الذين وقفوا معنا في هذا المصاب الجلل. وكانت مراسيم تشييع الشاعرة الراحلة حضره عدد من افراد الجالية العراقية الذين انضم اليهم عدد من المصريين من سكان حي سرايا القبة الذي عاشت فيه منذ وصولها لمصر عام 1990 . ونقل جثمانها الذي لف بالعلم العراقي الي مقبرة مدينة 6 اكتوبر خارج العاصمة المصرية. وجرت مراسيم صلاة الجنازة علي روحها الطاهرة الخميس الماضي في جامع الامام كشك بمصر الجديدة بمحافظة القاهرة الكبري وبعد أداء مراسيم صلاة الجنازة حملت الراحلة علي الاكتاف لنقلها الي السيارة المخصصة لنقلها الي مثواها الأخير في مقبرة أل الملائكة في مدينة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة لترقد مطمئنة راضية الي ربها لجانب زوجها الراحل الدكتور عبد الهادي محبوبة .المرض يحول بين الملائكة وكوليرا أخرى في العراق عدنان ابو زيدالعراق في محنته .. نسي نازك الملائكة، لكنها كانت تسأل عن الوطن وبغداد . هكذا يقولون من كانوا بقربها في ايامها الاخيرة .ومن زمن نسينا شظايا ورماد الذي توهج بين يدي طفولتنا كنجوم ضوء داعبت خيالات احلامنا ويومها كان مدرسنا يحدثنا عن (الكوليرا) التي خرجت علي المألوف والسائد في الشعر .وهذه العاشقة الساحرة حين اقعدها المرض لسنوات، ماعاد يتذكرها احد وهي التي علمت الاجيال عبر ابداعها في الشعر الذي اقتفي اثره كثيرون وعبر الدروس الاكاديمية في جامعات العراق والقاهرة .عاشقة الليل .. رحلت غريبة عن العراق، شأنها شأن ملايين العراقيين، يذوقون الم الغربة، بعيدا عن الاهل والاصدقاء ومرابع الصبا .عاشقة الليل رحلت والعراق تنهشه كوليرا الطائفية والاحتلال، والقصيدة العراقية تجسدها صور المآسي والانتهاكات التي تجري اليوم علي الارض التي احبت .تري كيف نبدو اليوم بدون الملائكة، وكيف سيكون الشعر والكبار الذين حفروا درب القصيدة يمضون. نازك الملائكة التي ابتكرت الحداثة، اغمضت جفنيها علي ماساة العراق وكم كان بودها ان يكون يومها الاخير هناك في بغداد .لقد مزقوا احلامها .. اولئك الذين زرعوا علي الارض اشواك الحقد، وشردوا العراقيين في المنافي، وقتلوا الشعب في الداخل .انها الغيبوبة الابدية الان، ايتها العراقية المبدعة، بعد ان ذقت في حياتك غيبوبة اخري داهمتك في الزمن الكئيب، وارغمتك مقعدة عن وطنك واحبائك .الملائكة امراة النبوءة .. تقول : في عام 1947 انتشر وباء الكوليرا في مصر، وبدأنا نسمع الاذاعة تذكر أعداد الموتي يومياً، وحين بلغ العدد ثلاثمائة في اليوم انفعلت انفعالاً شعرياً، وجلست أنظم قصيدة استعملت لها شكل الشطرين المعتاد، مغيرة القافية بعد كل أربعة أبيات أو نحو ذلك، وبعد أن انتهيت من القصيدة، قرأتها فأحسست أنها لم تعبر عما في نفسي، وأن عواطفي مازالت متأججة، وأهملت القصيدة وقررت أن أعتبرها من شعري الخائب " الفاشل " وبعد أيام قليلة ارتفع عدد الموتي بالكوليرا الي ستمائة في اليوم، فجلست ونظمت قصيدة شطرين ثانية أعبر فيها عن احساسي، واخترت لها وزناً غير القصيدة الأولي، وغيرت أسلوب تقفيتها ظانة أنها ستروي ظمأ التعبير عن حزني، ولكني حين انتهيت منها شعرت أنها لم ترسم صورة احساسي المتأجج، وقررت أن القصيدة قد خابت كالأولي، وأحسست أنني أحتاج الي أسلوب آخر أعبر به عن احساسي، وجلست حزينة حائرة لا أدري كيف أستطيع التعبير عن مأساة الكوليرا التي تلتهم المئات من الناس كل يوم .وتضيف نازك : وفي يوم الجمعة 27/10/1947 أفقت من النوم، وتكاسلت في الفراش أستمع الي المذيع وهو يذكر أن عدد الموتي بلغ ألفاً فاستولي عليّ حزن بالغ، وانفعال شديد، فقفزت من الفراش، وحملت دفتراً، وغادرت منزلنا الذي يموج بالحركة والضجيج يوم الجمعة، وكان الي جوارنا بيت شاهق يبني، وقد وصل البناؤون الي سطح طابقه الثاني، وكان خالياً لأنه يوم عطلة العمل، فجلست علي سياج واطئ، وبدأت أنظم قصيدتي (الكوليرا) وكنت قد سمعت في الاذاعة أن جثث الموتي كانت تحمل في الريف المصري مكدسة في عربات تجرها الخيل، فرحت أكتب وأنا أتحسس أصوات أقدام الخيل:سكن الليلأصغ، الي وقع صدي الأناتفي عمق الظلمة، تحت الصمت، علي الأمواتولاحظت في سعادة بالغة أنني أعبر عن احساسي أروع تعبير بهذه الأشطر غير المتساوية الطول، بعد أن ثبت لي عجز الشطرين عن التعبير عن مأساة الكوليرا، ووجدتني أروي ظمأ النطق في كياني، وأنا أهتف :الموت، الموت، الموتتشكو البشرية تشكو مايرتكب الموتوفي نحو ساعة واحدة انتهيت من القصيدة بشكلها الأخير ... وركضت بها الي أمي فتلقفتها ببرودة، وقالت لي: ماهذا الوزن الغريب ؟ ان الأشطر غير متساوية، وموسيقاها ضعيفة يابنتي، ثم قرأها أبي، وقامت الثورة الجامحة في البيت، فقد استنكر أبي القصيدة وسخر منها واستهزأ بها علي مختلف الأشكال، وتنبأ لها بالفشل الكامل، ثم صاح بي ساخراً : "وماهذا الموت الموت الموت " .... وراح إخوتي يضحكون وصحت أنا بأبي :قل ماتشاء، اني واثقة أن قصيدتي هذه ستغير خريطة الشعر العربي .بهذا الاصرار كتبت نازك الملائكة قصيدتها لكن المرض اقعدها من ان تكتب قصيدة (الكوليرا العراقية).رحم الله نازك الملائكة
رحيل الملائكة المبجل عبدالرزاق الربيعي لي حكاية مع رحيل الشاعرة العراقية الكبيرة والناقدة المبدعة نازك الملائكة التي توفيت في القاهرة بعد صراع طويل مع المرض كادت أن تحدث مشكلة بين ولدها الدكتور براق عبد الهادي وجريدة (الزمان) اللندنية لولا حسن تدبر الصديقة الشاعرة السورية لينا الطيبي التي كانت مسؤولة القسم الثقافي في الجريدة عام 1999 وتحديدا في عدد الزمان 369 الصادر يوم الخميس الموافق 8/7/1999وهو الزمن الذي نشرت به مقالي (رحيل نازك الملائكة المبجل) علي الصفحة 11وكانت قد جمعتني جلسة عائلية مع أسرة عراقية وأثناء الحديث همست أمرأة كبيرة في السن انها في مقتبل حياتها كانت تكتب الشعروانها كانت تعرض قصائدها علي المرحومة نازك الملائكة اذ كانت تربطها علاقة متينة مع عائلتها سألتها: ولماذا تقولين المرحومة؟أجابتني: ألم تسمع بخبر وفاتها ؟قلت لها : لا ,ولكنني أذكر ان خبرا كهذا نشر قبل أكثر من ثلاثة أعوام من عام 1999 بالطبع - نشر في الصحف المصرية ثم كذب في حينه أجابتني: نظري ضعيف فلا أقرأ الصحف لكن رسالة من شقيقتها وصلتني تخبرني بذلك النبأ سألتها: متي ؟ أجابت : قبل ستة شهور عندها لم يبق في داخلي شك وقلت : ربما نشر الخبر في الصحف وفا الشاعرة العراقية الكبيرة والناقدة المبدعة نازك الملائكة التي توفيت في القاهرة بعد صراع طويل مع المرض.وتعد الملائكة (1922-2007) من أوائل من كتب الشعر الحر، إلي جانب الشاعر الراحل بدر شاكر السياب.وقد تركت تراثاً شعرياً جديراً بالتقدير ومن بين مجموعاتها الشعرية (عاشقة الليل) و(قرارة الموجة) و(شجرة القمر) و(يغير الوانه البحر) و(الصلاة والثورة) إلي جانب كتاباتها في النقد الأدبي ومن أبرزها (قضايا الشعر المعاصر) و(التجزيئية الشعرية). ربما قد يكون فاتني الإطلاع عليه لم أكن قد دخلت عالم النت حينذاك - وعجبت كيف يمكن أن يفوتني خبر كهذا !!خصوصا ان جريدة الزمان تصلني آنذاك أيضا- بشكل منتظم واتواصل مع الصحف والأصدقاء عبر الاتصالات والرسائل كما هو عهدي دائما- ولم يذكر لي أي شخص خبرا كهذا!!فلم يبق أمامي سوي تفسير واحد تمليه طبيعة الشاعرة نازك التي مالت الي العزلة في السنوات الأخيرة وقد رأيتها في بغداد عام 1986 حاضرة في مهرجان المربد وكان معي صديقي الشاعر فضل خلف جبر حيث شاهدناها تدخل في مشادة مع المصور جبار غريب لأنه حاول التقاط صورة لها !!وبعد عودتها الي العراق في مطلع التسعينيات باءت كل محاولاتنا في إجراء مقابلة معها لجريدة "الجمهورية " بالفشل حينما جعل رئيس تحريرها آنذاك- الأستاذ سعد البزاز الحصول علي مقابلة معها سباقا ساخنا بيننا وحتي ان الزميلة هدي جاسم تجرأت واتصلت بها هاتفيا وحصلت منها علي موافقة مبدئية أثارت حسدنا لم تكتمل فرحتها , فقبل الموعد المقرر لإجراء المقابلة نقل لي الأستاذ خضر الولي انزعاج الشاعرة الكبيرة وزوجها الدكتور عبد الهادي محبوبة من ذلك الاتصال!!!وعندما وصلت الي العاصمة الأردنية عمّان عام 1994 للعلاج عاودني حلم لقائها وحاولت مع الزميل الكاتب يحيي القيسي الذي كان يراسل صحيفة تونسية إجراء المقابلة لكن فشلت محاولاتنا وبعد إلحاح شديد أقنعنا العاملة المغربية في الفندق الذي تقيم به , بعد ان عيينا من الاتصال بها وكانت موجودة في غرفتها ,أن تفتح غرفتها بمفتاحها فوجدنا إنها وضعت السلسلة من الداخل وسألنا تلك العاملة عنها فقالت إنها الشاعر الفلسطيني الذي يقيم في تلك الغرفة-وأشارت الي غرفة الشاعر محمود درويش الذي تصادف وجوده مع وجودها في عمّان- يزورها وتزوره فقط !!وقد عرضت علي الشاعر الرائد عبد الوهاب البياتي الذي كان في عمّان أيضا أن نقوم نحن الأدباء العراقيين بزيارتها للمستشفي بعد أن زارها وفد من الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب علي رأسه فخري قعوار فوافق في البداية مبدئيا لكنه في اليوم التالي اعتذر وقال انه سمع إنها فقدت الذاكرة وربما سنتعرض لموقف محرج !!! فتراجعنا عن الفكرةقلت في ذلك المقال - ربما هذه الطبيعة المائلة الي العزلة وكره الأضواء تنسجم مع إخفائها خبر رحيلها عن قرائها لأنها تريد ان تبقي حية بنصوصها الشعرية وفتوحاتها النقدية وربما أرادت ان تشفق علينا نحن الذين شهدنا أفول عصر الكبار برحيل الجواهري ونزار قباني وعلي الوردي بعد أقل من شهر من نشر ذلك المقال رحل عبد الوهاب البياتي- ولا تريد أن تضيف الي قلوبنا جرحا جديدا !!وفي اليوم الذي نشر المقال اتصلت بي الشاعرة لينا الطيبي لتنقل لي استياء الدكتور براق من المقال ,لكنها بحنكتها استطاعت أن تجعله يهدألكن لغز حياتها وموتها ظل عالقافهي لا تحضر حفلات تكريمها !!ولم يقل احد إنه شاهدها وقبل شهرين عندما عادت الدكتورة سعيدة بنت خاطر من القاهرة وهي إحدي طالبات الشاعرة نازك فسألتها عنها فورا فأعادت لي شكوكي بكونها باقية علي قيد الحياة بل إنها أيدت طرحي وقالت " إن شاعرة حساسة مثل نازك , حساسة لدرجة إنها قاطعت كل طالبات صفنا-كما قالت-في جامعة الكويت لأننا ضحكنا فعلقت :هل تضحكن وفلسطين محتلة ؟ وانقطعت عن تدريسنا الي ان قدمن اعتذارا لها "وبنفس الوقت لم تجزم الدكتورة سعيدة إنها رحلت لأن الشاعرة ريم قيس كبه أكدت لها إنها التقت بها مؤخرا وبين هذا وذاك ظل الأمر معلقا حتي جاء خبر رحيل هذه الشاعرة التي تعد (1922-2007) من أوائل من كتب الشعر الحر رحلت شاعرة (عاشقة الليل) و(قرارة الموجة) و(شجرة القمر) و(يغير ألوانه البحر) و(الصلاة والثورة) والناقدة التي تركت لنا العديد من الكتب النقدية لعل أبرزها (قضايا الشعر المعاصر) والتجزيئية في المجتمع العربي).رحلت وظلت مرثيتها للإنسان تردد :أيّ غبن أن يذبل الكائن الحيّ ويذوي شبابه الفينانثم يمضي به محبوه جثماناجفته الآمال والألحانوينيمونه علي الشوك والصخ ر وتحت التراب والأحجارويعودون تاركين بقايا ه لدنيا خفية الأسرار...كان قلبا له طموح فماذاترك الموت من طموح الحياةلكن الملائكة لم ترحل ..لأنها تركت لنا كل هذا التراث الشعري والنقدي.

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
ردود فعل حادة بعد إقرار "قانون المثلية الجنسية" في العراق
تهنئة من الاتحاد الديمقراطي العراقي
ندوة اللجنة الثقافية في الإتحاد الديمقراطي العراقي في كاليفورنيا
البرلمان العراقي يمرر قانونا يجرم "المثلية الجنسية"
في عيد امنا الأرض، أطفالنا في خطر
مقتل نجمة التيك توك العراقية "أم فهد" بالرصاص في بغداد
انتفاض الطلاب الجامعيين ينتقل من جامعات أميركا إلى باريس، رفضاً للسياسة الأميركية تجاه الفلسطينيين وقطاع غزة
اتفاقية إدارة الموارد المائية مع تركيا تثير غضب خبراء المياه في العراق
تصاعد التوتر في جامعات أميركية وسط تظاهرات مؤيدة للفلسطينيين
مراسم "طواف كرجال" عند الإيزيديين في دهوك
ما هي القضايا القانونية التي يواجهها ترامب؟
اتفاق بين العراق وتركيا.. تخصيص عادل ومنصف للمياه العابرة للحدود
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة