الحقيقة أن رسالتي كانت واضحة منذ اول معرض لي في العراق سنة 1981 " الزمن الصعب " حيث قمت وما أزال بإدانة أي إضطهاد يقع على العراقيين بشكل عام ، ومعرضي لعام 1981 كان إدانة صارخة لعمليات تصفية القوى اليسارية العراقية وتصفية المثقفين العراقيين ، حيث تناولت في لوحاتي تلك عدد من التفاصيل التي عانى منها المثقف العراقي عامة والقوى اليسارية بشكل خاص وذلك من خلال صياغات رمزية ، كما إستخدمت رمز الكركدن لسنوات طويلة ، والكركدن يرمز من وجهة نظري لقوى العسكرتاريا المهيمنة والقادرة على السحق لكنها وبكل تأكيد قوى هزيلة وغبية ، والحق كان الكركدن يرمز تحديداً لصدام . والمعرض الثاني لعام 1985 " بيت الجنون " كان إدانة للحرب العراقية الإيرانية بشكل محدد وللحروب بشكل عام بإنعكاساتها على الشارع والمثقف بشكل خاص ، أما معرض "حصار " لعام 1992 مع الفنان العراقي الكبير برهان صالح كركوكلي ، فقد بينت فيه من خلال لوحاتي تلك بان الحصار الذي أذل العراقيين وأمتهنهم لسنوات كان في الحق حصاراً مفروضاً على العراقيين من قبل السلطة العراقية البائدة التي وجدت فيه ضالتها للبقاء والهيمنة على مقدرات العراق وتبديد خيراته . كلمنا عن لوحاتك الأخيرة هذه ، سواد ، فتاة ، يد على الصدر ، صليب ، سمكة ، هلال ، ماذا يعني كل ذلك ؟
السواد لا يحتاج إلى شرح لأن الوضع قاتم تماماً ، المرأة ( ليلى ) تجلس القرفصاء ، وهي طريقة جلوس النسوة العراقيات ، واليد على الصدر لها بعدين الأول إحتضان الشيء ( الإيمان ) أي الإحتفاظ به بقوة والبعد الثاني هو التعبير عن حالة العجز في (حماية مانحب ) ، التلاعب في هيئة الشعر كان القصد منه الإيحاء بشكل العباءة العراقية ، وذلك لأعطاء المتلقي الإنطباع العام عن المرأة الشعبية (العراقية) ، الصليب والسمكة يرمزان للمسيحية (الفداء والخلاص) ، والصليب ذوالوشاح هو رمز أخوتنا الصابئة المندائيين ، أما المنورا ونجمة داود فهما رمزان يشيران هنا لأخوتنا يهود العراق ، والكل أشتركوا في محبتهم وولائهم العراق مثلما يشتركون اليوم في تعرضهم للإضطهاد . بالنسبة للهلال فهو بالأصل رمز عراقي قديم بدأ مع الكلدان القدماء ( مؤسسوا عاصمة الكلدان الأولى أريدو 5300 ق م ) وكان يرمز قديماً إلى الإله ننار (سين) الإله القمر ( إله الحكمة) الذي كان رمزه (هلال ونجمه) وكان معبده الرئيس في أور الكلدان (الناصرية) ، وبعد الغزو الحجازي للعراق ( بيت نهرين ) ، أستخدمه الكلدان الذين (فرض عليهم الإسلام) رمزاً لهم (بعدما أسلموا وتشيعوا وأستعربوا) ، كما أن إستخدام رمز الهلال في واحدة من اللوحات مستمد أصلاً من أسلوب الكتابة الصورية التي يشير فيه ذلك الرمز تحديداً إلى الليل والظلم والقهر، وقد وأردت من إستخدامي للهلال في لوحاتي التعبير عن العقلية التي تهيمن على هؤلاء السلفيين الذين يذبحون (بأسم الإسلام) العراق والعراقيين. كلمة أخيرة ...
برأيي إن كل عراقي شريف وغيور ويؤمن بالعراق بغض النظر عن معتقده الديني أو إنحداره العرقي ، يجب أن لا يكتفي بمسألة إدانة مثل هذه الإعتداءات البشعة ، بل مطلوب منا جميعاً كعراقيين إينما كنا أن نقف وقفة رجل واحد (كل من خلال أداته الأقدر) بوجه هؤلاء الظلاميين الإسلامويين ، ذلك أن من المستحيل أن تتواجد مثل تلك الكائنات الظلامية في العراق وتنتشر إنتشار الوباء ، لو لم يكن هنالك أفراد وجهات تدعمهم .الإسلام من وجهة نظري كعراقي مكانه الجامع وليس الشارع ، كذلك المسيحية مكانها الكنيسة . الشارع هو ملك لكل العراقيين مهما كانت ديانتهم ، فالمهم من وجهة نظري كعراقي ان يفصل الدين عن الدولة ، علماً أن مثل هذا الفصل معروف لدينا بل أنه منجز عراقي عريق ، ذلك أن فصل الدين عن الدولة قد أعتمده سرجون الأكدي الكلداني الأصل في الألف الثالث قبل الميلاد (في حدود 2334 ) وأكده حمورابي (الكلداني الأصل) في مسلته الشهيرة في مطلع الألف الثاني ق م ، فهل يصعب علينا تحقيق ذلك اليوم ، وهل سنبقى نحلم بعراق يحتل كل خلية من خلايا جسدنا ، عراق يتعايش فيه كل العراقيين (كما تعودوا) على أساس المواطنة لا المحاصصة الطائفية .رحم ألله الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم الذي قال (الدين لله والوطن للجميع) ، ورحم ألله من قبله الملك فيصل الأول عندما أطلق عبارته الشهيرة من على منبر مدرسة الأليانس اليهودية في بغداد عام 1921 (لا شيئ في عرف الوطنية أسمه مسلم ومسيحي وإسرائيلي ، بل هناك شيئ يقال له العراق ... وإني أطلب من أبناء وطني العراقيين أن لا يكونوا إلا عراقيين) ، فهل تتعض الحكومة العراقية من تاريخ العراق العريق ؟
* للمزيد من المعلومات باللغتين العربية والإنكليزية أو للإطلاع على كافة لوحات المعرض (ليلى) ، يمكنكم زيارة الصفحة الرئيسة (http://amerfatuhiart.com/links.html)أو زيارة الصفحة الرئيسة (http://amerfatuhiart.com/gallery.php) من موقع الفنان عامر فتوحي (www.amerfatuhiart.com).