ابو گاطع ... قالب الثلج في تموز
مركز الإتصالات الإعلامية ( ماتع ) :
ولد شمران الياسري عام 1926في محافظة واسط ، قضاء الحي ، قرية " المحيرجة " سابقا ، ناحية " الموفقية " حاليا . تتمتع أسرته بمكانة دينية خاصة في عموم المنطقة وأطرافها .
بدأ مشواره الصحفي قبل أن ينتمي الى الحزب الشيوعي العراقي عام 1956 ، ففي عام 1953 أصدر جريدة سرية أسمها – صوت الفلاح – مع أربعة فلاحين ومهندس زراعي ،
أما بعد ثورة 14 تموز 1958 فعمل في بغداد ، في صحف صوت الأحرار ، البلاد ، الحضارة ، فضلا عن برنامجه الاذاعي الشهير " احجيها بصراحة يابو گاطع " الذي اجتذب ملايين المستمعين ، وقال عنه وزير ثقافة كردستان " فلك الدين كاكه ئي " ان الكرد كانوا ينتظرونه كما ينتظره فلاحو الجنوب والوسط وأهل المدن . توقف هذا البرنامج عام 1962 بعد اعتقال " ابو گاطع " لتوقيعه نداء السلم في كردستان . إنتقل بين سجون بغداد و بعقوبة والعمارة ، وبضربة حظ يطلق سراحه قبل يوم 8 شباط 1963 الأسود ليقصد الريف الشاسع ويختفي حتى 1968 . أصدر خلال تخفيه صحيفة – الحقائق – وهي اسبوعية لسان حال اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في لواء الكوت . خلال هذه السنوات كان الحصان وسيلته للتنقل والتنظيم والبريد .بعد 1968 ، كتب في " التآخي " و " طريق الشعب " و " الفكر الجديد " وكان مديرا لتحرير مجلة " الثقافة الجديدة " واشتهر بعموده اليومي في طريق الشعب – بصراحة أبو گاطع – الذي دعا آلاف القراء الى قراءة الجريدة ليس من الصفحة الاولى كما هو معتاد بل من الصفحة التي يتصدرها عمود الصراحة . كان العمود مجساً وبارومترا ، منه يعرف القارئ أحوال المطبخ السياسي العراقي ، فكما كان أبو سعيد ( عبد الجبار وهبي ) رائدا من رواد العمود الصحفي في جريدة ( اتحاد الشعب ) ، صار أبو گاطع – أيضاً – علما في الكتابة الصحفية وينهل من المدرسة ذاتها . أواسط السبعينات ، جرت محاولة لدهسه على طريق الكوت ، لكنها فشلت ، فأعدوا له تهمة تهريب السلاح بغية اعدامه ، لكنه التجأ الى براغ عام 1976 تحاشياً للأسوأ فقال عن نفسه أنا اول مهاجر في رحلة النفي التي بدأت بعد سنتين . كان آخر ممنوعاته مادة كتبها الى " طريق الشعب " قبل مغادرة بغداد .. تحدث فيها عن الظهر والظهيرة والظهير ، والظهير هو الحليف .. و يقصد البعثيين زمن الجبهة الوطنية .. هذه الجبهة التي في مجالسه الخاصة يطلق عليها تسمية " الجبحة " أي العثرة و السقطة .بعد سلسلة طويلة من الممنوعات التي غطت حياته طولا وعرضا ، رفضت وزارة الاعلام طبع رباعيته أو تعضيدها فاتخذت " الثقافة الجديدة " عام 1972 قرارا بنشر الرواية طالبة من راغبي اقتنائها تسديد ثمنها سلفاً ، فتم لـ " أبو گاطع " ما أراد .. فبعث رسالة الى وزارة الاعلام ، جاء فيها : " انني أحمل اصدقائي بين يدي .. أصدقائي الذين عايشتهم ليالي الشتاء الطويلة ، أحاورهم وأتخيلهم .. أبدل بعض ملامحهم ، أضيف عبارة ، أو أحذف لفظة ، وفي نهاية المسيرة مع " الدفترين " ( مخطوطة الرواية ) توطدت علاقتي مع " حسين " بطل الرواية على نحو عجيب .. أناجيه وأناغيه ، أحياناً أصغي الى أشعاره ، وكأنني أسمع صوته ، برغم مسافة السنين " . وهذه الرواية – الرباعية قال عنها الروائي الكبير غائب طعمه فرمان : " ربما لم يعرف الأدب العراقي الحديث كاتباً أوقف همه الأدبي والفكري والسياسي على الريف وقضية الفلاحين العراقيين مثلما أوقفه شمران الياسري ، بما جبل عليه من صراحة وصدق وتفتح خيال ، وبقدر ما أتاحت له طاقاته وأدواته الفنية " . في 17 آب 1981 توفي الكاتب والصحفي الكبير أبو گاطع " شمران الياسري " في براغ بحادث سيارة وهو في طريقه لزيارة ابنه ( جبران ) ، فووري جثمانه في مقبرة الشهداء ببيروت ، وأطلقت الثورة الفلسطينية 21 اطلاقة ، تحية وداع للرجل الذي قال عنه الفنان المبدع المعروف يوسف العاني " ظل شمران صديقاً حميماً مثل قالب الثلج في تموز " . اما عبد الحسين شعبان صديق " ابو گاطع " أيام براغ فيقول في شهادته عنه : " ان " أبو گاطع " بعد زيارة ابنه كان ينوي مغادرة – براغ – للتوجه الى العمل في الاذاعة السرية التي أعيد إفتتاحها في كردستان ( اذاعة الحزب الشيوعي العراقي – صوت الشعب العراقي ) اذ أخذ يشعر مع مرور الأيام ورغم مرضه ان مكانه وفعله المؤثر والحقيقي هو هناك في العراق – وكانت تعويذته الأخيرة قبل وفاته ، قوله ( لن أزرع اليأس في حقول الغربة ، اللهم لاتبارك في زرع ولاضرع من إدخر جهداً في فضح الفاشية البدوية التي تذبح أهلنا وجيراننا ، نقسم بالله وبالوطن وبالديمقراطية أن سنأخذ هذا النظام المجرم بجريرته حتى ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة ) وأعقب ذلك ( حي على الهجوم ، لاتردد ولاخيار ) . "